قال رحمه الله:[وقد علم بالحس والضرورة وجود موجود حادث كائن بعد أن لم يكن، والحادث لا يكون واجباً بنفسه، ولا قديماً أزلياً، ولا خالقاً لما سواه، ولا غنياً عما سواه، فثبت بالضرورة وجود موجودين: أحدهما واجب، والآخر ممكن، أحدهما قديم والآخر حادث، أحدهما غني والآخر فقير، أحدهما خالق والآخر مخلوق، وهما متفقان في كون كل منهما شيئاً موجوداً ثابتاً، ومن المعلوم أيضا أن أحدهما ليس مماثلا للآخر في حقيقته، إذ لو كان كذلك لتماثلا فيما يجب ويجوز ويمتنع، وأحدهما يجب قدمه وهو موجود بنفسه، والآخر لا يجب قدمه ولا هو موجود بنفسه، وأحدهما خالق والآخر ليس بخالق، وأحدهما غني عما سواه والآخر فقير.
فلو تماثلا للزم أن يكون كل منهما واجب القدم ليس بواجب القدم، موجوداً بنفسه غير موجود بنفسه، خالقاً ليس بخالق، غنياً غير غني، فيلزم اجتماع الضدين على تقدير تماثلهما، فعلم أن تماثلهما منتف بصريح العقل، كما هو منتف بنصوص الشرع] .
هذا تكميل للحجة العقلية في الرد على الشيوعيين والدهريين، فهو يقول: إننا نشاهد أن على الأرض هذا المخلوق، الذي هو الإنسان والحيوان والدواب والأشجار والنباتات ونحوها، ونعرف أنها كائنة حية، ونعرف أنها موجودة وأنها أشياء، ونعرف أنها حادثة مسبوقة بعدم، ونعرف أنه يأتي عليها الفناء والعدم، فتيبس الأشجار وتنقطع الثمار مثلاً، وتموت الدواب والحشرات ونحوها وتتوالد، ويموت الإنسان ويخلفه غيره وهكذا، فهذا الدليل يبين أنها حادثة، والحادث فقير، فلا بد أن يكون الذي أحدثه غني، والحادث عاجز، ولا بد أن يكون الذي أحدثه قادر كامل القدرة، والحادث مستجد ولا بد أن يكون الذي أحدثه قديم، فإذا كان كذلك فالذين ينكرون هذا الدليل العقلي قد أنكروا المحسوس.
ونعرف الفرق الكبير بين الحادث والمحدث بين المخلوق والخالق بين الغني والفقير بين واجب الوجود وممكن الوجود أو جائز الوجود بين الموجود بنفسه وبين الموجود بغيره، ففرق كبير بين هذا وهذا، فبهذا الدليل العقلي يرد على هذه الطوائف.
وأما الأدلة السمعية فإنها أشهر وأظهر، وكثيراً ما يحتج الله تعالى بالآيات الظاهرة على وجوده وعلى عظمة شأنه ونحو ذلك، وقد تقدم لنا شيء من الأدلة على ذلك.