المعتزلة كما ذكر الشارح أنهم حدثوا قديماً في أول القرن الثاني، أو في أول المائة الثانية، أو في آخر حياة الحسن البصري، خرج من حلقته رجل يقال له: واصل بن عطاء، هذا الرجل كان فصيحاً جريئاً في الكلام، ذكياً قوي العبارة؛ ولكن {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنَاً}[فاطر:٨] .
أول ما ظهر مذهب المعتزلة أنه جاء رجل يسأل الحسن البصري عن مسألة الكفر والإيمان والفرق بينهما، فتكلم واصل وقال: أنا لا أقول: إن العاصي مؤمن، ولا أقول: إنه كافر، بل هو في منزلة بينهما، فلا أحكم بأنه مؤمن فأعامله معاملة أهل الإيمان، ولا أحكم بأنه كافر فأقاتله كمقاتلتي للكفار، بل أجعله في منزلة بينهما.
فعند ذلك أراد أن يقنعه الحسن فامتنع من الاقتناع، ثم اعتزل في ناحية من المجلس، فمجلس الحسن كان في جهة وهو في جهة، وجعل يقرر منهجه لِمَا أُعْطِيَه من بلاغة وقوة، وجعل الذين أعجبوا به يجلسون في حلقته، واعتزلوا حلقة الحسن البصري رحمه الله، فكلما جاء رجل من المبتدعة، وسأل عن مسألة وظهر أن في مسألته شيء من التعنُّت وشيء من الشدة قال له الحسن: اذهب إلى أولئك المعتزلة، أو يقول في جوابه له: عند أولئك المعتزلة، يعني: الذين اعتزلوا مجلس الحسن، فلُقبوا بالمعتزلة، واعترفوا بهذا الاسم.
الآن يوجد منهم بقايا على مذهبهم كله، أو على بعض مذهبهم، وكثير ممن يُسمَّون أشعرية مذهبهم قريب في باب الصفات من مذهب المعتزلة؛ لأن الفرق يسير، كذلك الشيعة والرافضة، فعلماء الرافضة قديماً وحديثاً على مذهب المعتزلة، يوجد على مذهبهم طوائف كثيرة في كثير من البلاد، في الشام، وفي مصر، وفي العراق، وفي اليمن، وفي أفريقيا، وفي الباكستان، وفي كثير من البلاد العربية وغير العربية، يعني: لا نقول: إنهم انقطعوا؛ بل هم موجودون، وقد طبعت قريباً كتبٌ لواحد من أكابرهم، وهو القاضي عبد الجبار، وهو من أكابر المعتزلة، فله كتاب كبير اسمه: المغني، طُبع في نحو أربعة عشر مجلداً، ضمَّنه عقليات مذهبهم، والذين طبعوه أُعجبوا بأسلوبه، وبقوة تعبيره، وسبكه للكلام، وحققوه ونشروه، وطُبع له كتاب آخر اسمه: الأصول الخمسة، وهي التي ذكرها الشارح كما سمعنا، وهي أصولهم التي بنوا عليها مذهبهم، وقد ضمَّنها في ذلك الكتاب.