للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محبته صلى الله عليه وسلم وطاعته]

وقد ذكر العلماء للنبي صلى الله عليه وسلم حقوقاً على أمته، فمن تلك الحقوق محبته التي أمر الله بها في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} [التوبة:٢٤] يعني: لا تقدموا محبة شيء على محبة الله ورسوله ومحبة الجهاد في سبيله.

وثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) إلى آخره، بدأ بمحبة الله ورسوله وقدمهما على غيرهما، وثبت أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ونفسه ووالده والناس أجمعين) .

ولاشك أن هذه المحبة لها علامات، ومن أظهر علاماتها الاتباع.

وقد أخبر الله تعالى أن اليهود ادعوا المحبة بقولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨] فأنزل الله آية تسمى آية المحنة، هي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] ، امتحن الله من ادعى محبته بهذه الآية، فجعل لمحبة الله علامة ظاهرة، وهي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل لهذا الاتباع ثواباً، فقال: {يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] أي: هذا ثوابكم، فإذا اتبعتم النبي صلى الله عليه وسلم أحبكم الله وغفر لكم ذنوبكم.

وقد ذكر الله عز وجل لاتباعه ثواباً آخر في قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨] ، أمر بالإيمان به، ثم أمر باتباعه، ولذلك لا يكون صادقاً من لم يطعه، ولم يتبع سنته.

وقد ذكر شيخ الإسلام أن الله تعالى أمر بطاعته وطاعة رسوله في أكثر من أربعين موضعاً، إما أن يصرح بالفعل كقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:٩٢] ، وإما أن يعطف بالواو كقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:١٣٢] ، وإما أن يقتصر على طاعة الرسول؛ لأنه لا يأمر إلا بأمر الله، كقوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:٥٦] في عدة مواضع، ولاشك أن طاعته تستلزم اتباعه، فالأمر بالاتباع والأمر بالطاعة من متممات المحبة.