[انتشار قبور الأولياء قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب]
في هذه الجزيرة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان هناك قبور يدّعون أنها قبور أولياء من أولياء الله، وقد ذكر منها الشيخ محمد في رسالته كشف الشبهات قبر رجل اسمه شمسان، ولم يذكر تفصيلاً عن حالته، وقبر آخر يسمى يوسف، وآخر يسمى تاجاً، ذكر هؤلاء الثلاثة في كشف الشبهات، وكذلك ذكرهم مولى علي بن مولى عمران في قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها: جاءت قصيدتهم تروح وتغتدي في سب دين الهاشمي محمد إلى أن قال: الشيخ جاهد بعض أهل جهالة يدعون أصحاب القبور الهمد تاجاً وشمساناً وما ضاهاهما من قبة أو تربة أو مشهد جاءهم الشيطان وقال: هذا ولي من أولياء الله، فتبركوا به ما دام حياً، وإذا مات فاعبدوه، فعبدوه من دون الله، وكثرت في ذلك المعبودات من دون الله، وانتشرت في كثير من البلاد، ففي العراق يدعون ولاية عبد القادر الجيلاني، وهو عبد صالح وعالم من العلماء، إلا أنه لم يكن له صنعة في علم الشريعة وفي علم الحديث، ولأجل ذلك لا يميز بين صحيح الحديث وسقيمه، ولعلكم قرأتم شيئاً من كتابه الذي يسمى:(الغنية) ففيه ما يدل على أنه لم يكن متضلعاً من علم السنة، ولكن كان من أهل السلوك، وكان من أهل التصوف، ومن أهل العبادة، فلأجل ذلك غلوا فيه، وادعوا أنه ولي، وصاروا ينقلون عنه أشياء من خوارق العادات ليست صحيحة، بل هي مكذوبة مختلقة لا أصل لها من الصحة، فمن ذلك: ذكروا أن امرأة جاءت إليه وقالت: إن ابني مات وإنه وحيدي، وليس لي ابن غيره، فسلْ الله أن يحييه، فقال: سأفعل، ثم إنه طار في الهواء، حتى أدرك ملك الموت وهو في السماء، وقد قبض أرواحاً وجعلهم في زنبيل، فقال: رد روح هذا الميت، فلما لم يفعل أخذ الزنبيل، وأسقط ما فيه من الأرواح، فحيي كل من قبض في ذلك اليوم من تلك الأرواح التي قبضها ملك الموت! وهذه خرافة من خرافاتهم.
ومن ذلك: ذكروا أنه أتي بكبش مشوي أو مطبوخ، فقال: كلوا ما عليه من اللحم، ولا تأخذوا عظامه، ولا تزيلوها، فلما أكلوا اللحم كله، قال: قم يا كبش بإذن الله، فقام الكبش ينفض شعره وجلده كأنه لم يمت! وهذه أيضاً خرافة لا أصل لها.
وكثر الكذب عليه من مثل هذه الأكاذيب، فادعوا أنه ولي من أولياء الله، وأنه أفضل من الأنبياء، وأن له العصمة، وأنه مستغن عن الشرع، وأنه وأنه.
والذين ترجموا له من أولئك المخرفين جعلوه من غلاة الاتحادية، أو من أهل وحدة الوجود، ولا شك أنه -إن شاء الله- بريء من هذا كله، بل هو عابد من العباد، ولكن لما ظهر على يديه شيء من الكرمات، ادعوا أنه وصل إلى هذه الدرجات، وولدوا عليه هذه الأكاذيب، وكان من نتيجتها أنه صار معظماً يعبد مع الله، يعبد في أفريقيا، ويعبد في بلاد الهند والسند والعراق والشام، وغالباً يذكر عبد القادر على الألسن كثيراً، حتى سمعت رجلاً في يوم عرفة في حجة من الحجات يهتف: يا عبد القادر يا عبد القادر، خذ بيدي، أنجني، اغفر لي، خذ بيدي من الهلاك، فنصحته وقلت: ومن هو عبد القادر؟ فقال: السيد عبد القادر الجيلاني، هذا ولي الله، هذا الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويملك أزمة الأمور، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويعطي ويمنع، ويصل ويقطع، ويخفض ويرفع، يمجده هذه التمجيدات! فقلت له: ومن رب الناس قبل عبد القادر؟ ولماذا عبد القادر لم يرد عن نفسه الموت؟ وأين الآن عبد القادر حتى نعرف حالته؟ هو مخلوق خلق من ماء مهين، ثم تمتع وعاش في الدنيا كما تمتع غيره، ولكن ذلك الشخص أخذ يوبخني ويقول: أنت تسقط قدر أولياء الله، أنت لا تحب أولياء الله حقاً، أولياء الله فيهم وفيهم، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأشباه ذلك، وعرفت أنه لا حيلة فيه، فأخذت أقول له: أنا كفرت بـ عبد القادر، كفرت بك يا عبد القادر، فابعث لي ما تشاء، فقبض على رأسه واعتقد أني سأموت في لحظتي! هكذا زين لهم الشيطان، ولا شك أن الجهل هو الذي أردى بهم إلى أن اعتقدوا هذا في هذه المعبودات في نظرهم.
وفي اليمن ولي يقال له ابن علون، وهو مشهور أيضاً، وله قصص، وكان من العلماء، لكن بعد موته جاء الشيطان وقال: هذا قبر ابن علون، وهو ولي الله، فالآن يدعى في كل الأماكن، وإن كان في الزمن الأخير بعدما تفقهوا، وجاءتهم كتب أئمة الدعوة، تنبهوا وتركوا ذلك.
وبكل حال فهذه الولاية التي أوقعها الشيطان في قلوب هؤلاء، زين لهم أنها مرتبة راقية رفيعة، انخدع بها هؤلاء حتى عبدوا المخلوقين من دون الله.
ويذكر لنا كثير من الإخوان أنه هناك قبور: في باكستان، وفي أفغانستان، وفي الهند والسند، بل وفي البلاد العربية: كمصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، والسودان، واليمن في جنوبه وشماله، ولا حقيقة لتلك الأمور، حتى ذكروا أن بعضهم مات له حمار، فدفنه، ثم جاء إلى أهل البلد وقال: هذا قبر ولي من أولياء الله، فقالوا: من هو؟ فسمى لهم اسماً مستعاراً، فعبد ذلك الحمار، وبني عليه، وجعلوا يأتون إليه، ويتبركون بتربته ويدعونه! ولا شك أن هذا من وسوسة الشيطان حتى أوصلهم إلى هذه الحال، ومع ذلك فإن هناك أشخاصاً ادعيت فيهم الولاية، وأنهم أولياء لله، وهم ليسوا أولياء لله، بل أعداء الله، ومنهم ملاحدة من أهل وحدة الوجود، وكم يذكر في تراجمهم من المبالغة والمديح العظيم والثناء عليهم، كـ ابن عربي الاتحادي الذي هو من أهل الوحدة، وهو على طريقة الحلاج وغيره ممن يقولون: إن وجود الخالق هو وجود المخلوق، وعين الخالق هو عين المخلوق! تعالى الله عن قولهم، ومع ذلك يذكرون في ترجمته الثناء عليه، والمديح له، والمبالغة في أمره وإطرائه، حتى من بعض أهل السنة الحنابلة، مثل ابن العماد الحنبلي صاحب شذرات الذهب، كان في القرن الحادي عشر، لما ذكر ترجمة ابن عربي، أخذ يحكي له من الحكايات التي تدل على أنه مستجاب الدعوة، وأنه مقرب عند الله، وأنه وأنه، ويورد له ذكريات، ويورد له أقاويل وحكم، بينما الذين ترجموه من أهل المعرفة كـ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية بينوا حقيقته، وذكروا أنه اتحادي ملحد، يقول بوحدة الوجود، فلا يغتر بمن مدحه أو أثنى عليه، وهكذا أمثاله كثيرون، فعلى هذا نحذر من هؤلاء الذين يفضلون أولياء الله -كما يقولون- على أنبياء الله، بل نعرف أن نبياً واحد أفضل من جميع من يسمونهم أولياء.