الإيمان الذي يكون في القلب، ويكون في البدن، هما ملازمان، وكذلك الذي يكون باللسان، والذي يكون بالأركان هما متلازمان، وكلاهما من خصال الإيمان، فمن استكملها استكمل الإيمان، كما ذكر ذلك البخاري عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال:(إن للإيمان شروطاً وخصالاً وخصائص، من استكملها استكمل الإيمان، ومن أخل بها نقص منه الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص) ، هذا كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ولا شك أنه أخذ ذلك عن الصحابة، فهو عرف أن الإيمان لا يكفي فيه الانتماء والتسمي، فله شروط، وله مكملات، وله آثار، وله أعمال، فلابد أن المؤمن يأتي بها ويستكملها؛ حتى يكتب بذلك مؤمناً حقاً.
فهكذا يكون المؤمنون الذين لا يفرقون بين الله ورسله، ولا يردون شيئاً من شريعته، هؤلاء هم المؤمنون حقاً.
وقد عرفنا أن عقيدة أهل السنة أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وأنه لا يكون مؤمناً إذا لم يعمل؛ وذلك لأن الإيمان الذي في القلب تظهر آثاره على الأعمال، فالأعمال إيمان كما أن الاعتقاد إيمان، وكما أن الأذكار اللسانية إيمان، وكما أن النفقات في وجوه الخير إيمان، وكما أن الأعمال الخيرية كلها وخصال الخير وخصال الدين كلها من الإيمان، فالكفر له شعب، والإيمان له شعب، فيقال: إن السباب والشتم واللعن من خصال الكفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) ، فجعل الأعمال المحرمة كفر، وقال:(اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة) ، فجعلها كفراً، أي: من خصال الكفر، فخصال الكفر تسمى كفراً، وخصال الإيمان تسمى إيماناً.
والعبد يحرص على أن يجمع خصال الخير كلها حتى يكون مؤمناً حقاً:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:٤] ، من الذين يزهد في هذا الثواب كله؟! فالمؤمن يحرص على أن يكون مؤمناً حقاً حتى يحصل له هذا الثواب.
كذلك الذين زعموا أن الأعمال ليست من الإيمان، وجعلوا الإيمان مقتصراً على العقيدة وعلى الكلام -كما هو مذهب الأحناف- لا شك أن قولهم فيه خلل، وقد ذكرنا فيما سبق أنهم لما اعتقدوا هذه العقيدة ضعف قدر الإيمان الذي في قلوبهم، فصاروا يكتفون بما في القلب وبما في اللسان، ولا يعدون الأعمال من مسمى الإيمان، فيضعف تنافسهم في الخيرات، ولا يبالي أحدهم بما ارتكب من السيئات والخطيئات، فيقعون في الذنوب ولا يشعرون، أو يظنون أنها لا تنافي إيمانهم، أو أنها لا تنقص ثوابهم، وكذلك يزهدون في الأعمال الخيرية من الحسنات والقربات وسائر الطاعات، ويظنون أنها لا يكون لها تأثير في إيمانهم ولا في قرباتهم ولا في أعمالهم، فكان ذلك سبباً في نقص تنافسهم في الخيرات.
أما أهل السنة فإنهم لما عرفوا أن الأعمال من الإيمان صاروا يتنافسون في كثرة الخصال الخيرية، وصاروا يعملون الأعمال الدينية، وصاروا يكثرون من الحسنات، ويتقون السيئات والمخالفات، فصاروا بذلك في أعلى المراتب، وقد مر بنا كثير من أقوالهم التي يتعللون بها، ولكنها لا تصلح مستنداً.