للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الواجب على أهل التأويل]

أما كونهم سلطوا على ذلك التأويل فقالوا -مثلاً- إن الرؤية تدل على إثبات تشبيه أو نحو ذلك فنحن نقول: لا حاجة لنا إلى تأويلكم، ولا حاجة بنا إلى هذا التأويل، بل انفوا عنها التشبيه وتَسلَمون.

والتأويل اصطلحوا على أنه (صرف اللفظ عن ظاهره) ، فقالوا -مثلاً-: ظاهر قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] أن لله وجهاً، ولكن نصرفه فنقول: الوجه الذات، فنقول: كل شيء هالك إلا ذاته، فهذا أيضاً تأويل.

ويقولون: ظاهر قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤] أن لله يدين، وفي إثباتهما تشبيه، فنحن نفر من التشبيه، فلأجل ذلك نسلط عليهما التأويل، فنقول: المراد باليدين النعمة.

أو: المراد باليدين القدرة وهذا بعيد، فالله تعالى قال: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) يعني: مبسوطتان بالعطاء، وقد أكد ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، بقوله: (يمين الله ملأى، لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟! فإنه لم يغِض ما في يمينه، وبيده الأخرى القسط يخفظ ويرفع) ، وقد أثبت الله تعالى لنفسه اليمين بقوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:٦٧] ، فكيف تقولون: اليد القدرة؟! هذا من التأويل البعيد.

وهكذا قولهم: إن كلام الله المعنى لا اللفظ.

هذا أيضاً من التأويل.

وهكذا قولهم: إن رحمة الله إرادة الإحسان.

أو: غضبه إرادة الانتقام.

كل ذلك يسمونه تأويلاً، فأهل السنة لا يدخلون في باب التأويل.

والواجب عليهم أن يقتصروا على نفي التشبيه، وهذا معنى قول الطحاوي رحمه الله تعالى: (من لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه) .

وكان كثير من السلف إذا رأوا الإنسان يبالغ في النفي فيقول: ليس لله كذا وليس لله كذا اتهموه بأنه جهمي؛ لأن الذين يبالغون في النفي، فإنهم أقرب إلى أن يكونوا مشبِّهة من غيرهم، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه أن هؤلاء مشبِّهة، ولو ادعوا أنهم يهربون من التشبيه.

وذلك أنه ارتسم في قلوبهم أن تلك الصفات دالة على التشبيه، فما فهموا من النصوص إلا التشبيه، فهذا أولاً.

ثانياً: أنهم لما نفوا الصفات نفياً كلياً وقعوا في تشبيه آخر وهو التشبيه بالجمادات أو التشبيه بالمعدومات أو التشبيه بالمستحيلات، فأصبحوا بذلك مشبِّهين، مع أنهم يقولون: نهرب من التشبيه، فقيل لهم: أنتم مشبهة.

فعلى كل حال: تأويلاتهم التي يتأولون بها النصوص يردها كل ذي عقل سليم.