يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف والرجاء، فيجعل المحبة كرأس الطائر، والخوف والرجاء مثل الجناحين، فإذا كان الطائر قد استوى جناحاه، ورأسه موجود، ففيه حياة مستقرة، وطيرانه معتدل، وإذا قطع أحد جناحيه تعثر، وإذا قطع جناحاه فهو أقرب إلى الموت، وإذا قطع رأسه مات، فلابد أن هذه الخصال تجتمع في العبد وتستوي: المحبة، والخوف، والرجاء.
المحبة: هي محبة الله لإنعامه على عبده، والخوف: خوفه من عذابه، والرجاء: تعلق قلبه بثوابه.
فإذا عبد الله بالمحبة فقط دون أن يخافه فقد أخطأ كما يذكر ذلك عن بعض المتصوفة، وعن بعض غلاة الزهاد ونحوهم، أنهم يقولون: ما نعبد الله خوفاً من ناره، ولا رجاءً لجنته، ولكن نعبده محبة له، ويغالون في باب المحبة، وكأنهم أمنوا من العذاب، وكأنهم لم يكن لهم رغبة في الثواب، فهذه حال الصوفية، والحقيقة أن من يعبد الله بهذا فهو زنديق.
من غلب جانب الخوف فإنه قد وقع في عقيدة الوعيدية الذين يغلبون جانب الوعيد، ومن هؤلاء الوعيدية الحرورية والمعتزلة، وسموا بذلك لأنهم يتمسكون بالأدلة التي فيها الوعيد فيحققونها؛ ولهذا يخلدون أصحاب الكبائر في النار كما تقدم مراراً.
وأما من عبد الله مغلباً جانب الرجاء، فهذا يسمى مرجئاً، والمرجئة: هم الذين يتعلقون بالرحمة ولا يذكرون العذاب، فيرجون ولا يخافون عقابه، وهم على خطر.