قال الشارح رحمه الله تعالى: [قوله: (والصلاة على من مات منهم) أي: ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار، وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع الطريق، وكذا قاتل نفسه خلافاً لـ أبي يوسف، لا الشهيد خلافاً لـ مالك والشافعي رحمهما الله على ما عرف في موضعه، لكن الشيخ إنما ساق هذا؛ لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور لا للعموم الكلي، ولكن المظهرون للإسلام قسمان: إما مؤمن وإما منافق، فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه، فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه، وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة؛ لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين، وقد نهى الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله، فمن كان مؤمناً بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية الفجورية ما له، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين فقال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:١٩] فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه، وللمؤمنين والمؤمنات، فالتوحيد أصل الدين، والاستغفار له وللمؤمنين كماله، فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات، إما واجب وإما مستحب.
وهو على نوعين: عام وخاص، أما العام فظاهر كما في هذه الآية، وأما الدعاء الخاص فالصلاة على الميت، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون أن يصلوا عليه صلاة الجنازة، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له، كما روى أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) ] .
يقول: إننا مأمورون بأن نحسن الظن بالمسلمين، ولا نحكم على مسلم يتظاهر بالإسلام أنه مرتد وكافر، إذا كان ظاهره أنه من أهل الإسلام، ولو كان باطنه خفياً، فنصلي عليه بعد موته، وهذا معنى الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:(صلوا على من قال: لا إله إلا الله) ، فإن المراد على أهل لا إله إلا الله، ولا شك أن أهل لا إله إلا الله هم أهل التوحيد، وهم أهل الإسلام، وهم أهل العلم وأهل العمل، وهم الذين يعملون بلا إله إلا الله، فيفعلون ما توجبه لا إله إلا الله، ويتركون ما تحرمه هذه الكلمة من المحرمات، فإذا كانوا متمسكين بذلك في الظاهر فإننا لا نكفرهم، ونصلي عليهم، ولو وقعت منهم هفوات، ولو صدرت منهم زلات، ولو كان مذنبين، ولو رأينا منهم بعض الذنوب الظاهرة لم نحكم بكفرهم ولم نحكم بخروجهم من الإسلام؛ لأن من عقيدة أهل السنة -كما تقدم مراراً- أنهم لا يكفرون بالذنوب، ولو كانت ما كانت، ما لم تصل إلى الشرك، إلا ما ورد التكفير به كترك الصلاة يعني: الاستمرار على تركها، فقد ورد أنه كفر.
وأما بقية الأعمال فإذا أطلق على بعضها لفظ الكفر فإنه يراد به الكفر العملي، كقوله صلى الله عليه وسلم:(اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة) ، فالطعن في النسب: كون الإنسان يعير نسبك ويقدح فيه، أو يقول: لست من قبيلة فلان، ولست ابن فلان، ونحو ذلك، هذا أطلق عليه أنه كفر، ولكنه عملي.
والنياحة: هي الصياح على الميت، أطلق عليه أنه كفر، ولكنه يراد به الكفر العملي، وكذلك قتال المسلمين أطلق عليه أنه كفر، وهو كفر عملي، وكل هذه لا توجب أن نتبرأ من هذا الإنسان، ولا أن نترك الصلاة عليه، بل هو أولى أن يصلى عليه.
فالمذنب الذي وقعت منه ذنوب وارتكب بعض السيئات يصلى عليه، ولا تترك الصلاة عليه، ولو كان قد زنى، ولو سرق، ولو أكل الربا أو أكل مال اليتيم، أو تولى عن الزحف، أو ما أشبه ذلك، ما عدا الذنوب التي توقعه في الكفر، وهي المكفرات المشهورة، التي إذا فعلها حكم بردته، كمسبة الله، فالذي يسب الله أو يسب الرسول عليه الصلاة والسلام أو ينتقص دين الإسلام أو نحو ذلك، فإن هذا يعتبر ردة وخروجاً من الإسلام.
وبكل حال فالمعاصي التي دون الشرك ودون الكفر يصلى على أهلها.