نحمد الله أن جعلنا من أهل السنة والجماعة الذين يعتقدون ما جاء عن الله، ويتقبلون ما جاء في كتاب الله، الذين هداهم الله وسددهم وأرشدهم، والذين يتمسكون بالنصوص وبالأدلة، ويعملون بالكتاب والسنة، ويكون مرجعهم إلى الأدلة القوية، الذين نزهوا معتقدهم عن البدع والمحدثات.
ولا شك أن من أشد البدع الطعن في نقلة السنة وحملتها من الصحابة؛ وذلك لأنهم الواسطة بين الأمة وبين نبيها، وهم الذين تحملوا السنة والشريعة الإسلامية، وبلغوها لمن بعدهم، ولم يكتموا منها شيئاً، ولم يغيروا ولم يبدلوا، ولم يزيدوا ولم ينقصوا؛ فلهذا ففضلهم على الأمة كبير، وإحسانهم إليها عظيم، ولأجل ذلك اتفقت الأمة من أهل السنة على تزكيتهم وتعديلهم، وعلى إنكار قول من طعن أو بدّع أو شنّع فيهم، واتفق أهل السنة على أن الصحابة كلهم عدول، ويكفي في تعديل الراوي أن يكون من الصحابة، فإذا روي حديث وثبت أن راويه صحابي ولو كان مجهولاً قبلت روايته، وذلك دليل على أنهم عرفوا مكانة الصحابة وعدالتهم.
والصحابة يتفاوتون في الفضل، وقد ذكر الله تعالى شيئاً من تفاوتهم بقوله تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:١٠] ، فأخبر أن المتقدمين منهم الذين أنفقوا وقاتلوا قبل الفتح أفضل من الذين لم يسلموا ولم ينفقوا ولم يقاتلوا إلا بعد الفتح، ولكن وعدهم جميعاً بالحسنى:(وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) أي: الثواب الحسن والجنة، والجزاء الأوفى عند الله، وهذا ثناء كبير (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) ، ومن يدرك هذه الفضيلة؟ ومع كل هذا الثناء عليهم تسلط عليهم الأعداء من الرافضة، وسددوا سهام الطعن نحوهم، بل سلطوها على خيارهم وأفاضلهم وأشرفهم، وهم الخلفاء الراشدون، وقد تقدم شيء من سيرة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولا شك أنهم هم الخلفاء الراشدون الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ، فإن أول من يدخل فيه خلفاؤه الذين تولوا الأمر من بعده، فأول من تولى بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون الذين أوصى النبي عليه الصلاة والسلام باتباعهم، والسير على منهاجهم، وهم ممن شهد لهم بالجنة شهادة عظيمة فقال:(أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة بن عبيد الله في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة) ، فهؤلاء هم العشرة المشهود لهم بالجنة.
وفي حديث أبي موسى لما كان بوّاب النبي صلى الله عليه وسلم في القصة التي مرت بنا يقول: فاستأذن أبو بكر، فقلت: على رسلك! فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أبو بكر يستأذن، فقال:(ائذن له وبشره بالجنة، فجاء وجلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) فبشره بالجنة، ولكن أخبره ببلوى، وهذه البلوى هي ما حصل عليه من الثوار الذين ثاروا عليه، وحاولوا خلعه، إلى أن انتهى الأمر بقتله رضي الله عنه.