قول صاحب المتن:(محيط بكل شيء وفوقه) المراد: أننا نعتقد أن الله فوق كل شيء، قد ذكر الشارح أن في بعض النسخ:(محيط بكل شيء فوقه) ، بدون واو، والواو لا معنى لها هنا؛ لأن الله إحاطته ليست بما فوق العرش، بل بكل شيء، بالعرش وبما فوقه وبما تحته، ومعلوم أن العرش هو سقف المخلوقات، وهو أعلاها، وفوقه الرب سبحانه، وهو قريب من عباده.
والأدلة على الفوقية كثيرة، فمنها ما هو صريح لا يحتمل التأويل، فالآية التي سمعنا في سورة النحل لا تحتمل التأويل:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل:٥٠] قيدت بـ (من) حتى لا يتأولها المتأول، وأما الآية الثانية في سورة الأنعام وهي قوله تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}[الأنعام:١٨] في موضعين، فهذه الآية قد يقال: إن المراد بالفوقية: فوقية الغلبة، وفوقية القهر، كما قال فرعون:{وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}[الأعراف:١٢٧] يعني: فوقية القهر، ولكن يؤخذ منها فوقية الذات، وفوقية الغلبة، فهي دالة على المعنيين؛ فتكون من الآيات الدالة على وصف الله تعالى بالفوقية، وهو العلو الذي يقتضي العظمة.
أما الأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال:(والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش) فالفوقية هنا صريحة، ومن ذلك قوله:(إن الله كتب كتاباً فهو مكتوب عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي) وهذا دليل واضح على أن الرب تعالى فوق العباد، وفوق العرش.
كذلك الحديث الذي فيه تفسير الآية الكريمة من سورة الحديد:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}[الحديد:٣] وهو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر) فسر قوله تعالى: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) بأنه العالي الذي ليس فوقه شيء، فهو فوق المخلوقات، ومع ذلك هو قريب منها؛ ولذلك فسر الباطن بالقريب الذي ليس دونه شيء، فعلوه سبحانه وتعالى وفوقيته لا تنافي قربه ومعيته، فيستحضر المؤمن الوصفين معاً القرب والعلو.
وذكر المؤلف شعر أمية وشعر عبد الله بن رواحة وشعر حسان، وكلها تذكر العلو والفوقية، فيقول ابن رواحة: شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طافٍ وفوق العرش رب العالمينا فصرح بالفوقية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا أيضاً في البيت الذي لـ حسان: شهدت بإذن الله أن محمداً رسول الذي فوق السماوات من عَلُ يعني: فوق السماوات وفوق العرش، ثم وصفه بأنه من علُ، فهذا دليل على أن الصحابة كلهم يدينون بهذه الفوقية، وأنهم قد تلقوها من نبيهم صلى الله عليه وسلم.