قال المؤلف: [وقوله: (ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم.
وهو تفسير: لا حول ولا قوة إلا بالله، نقول: لا حيلة لأحد، ولا تحول لأحد، ولا حركة لأحد عن معصية الله، إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله تعالى، وكل شيء يجري بمشيئة الله وعلمه وقضائه وقدره.
غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبداً:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣] ) .
فقوله:(لم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون) قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] ، وقال تعالى:{لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[الأنعام:١٥٢] .
وعن أبي الحسن الأشعري: أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً، ثم تردد أصحابه أنه: هل ورد به الشرع أم لا؟! واحتج من قال بوروده بأمر أبي لهب بالإيمان، فإنه تعالى أخبر بأنه لا يؤمن، وأنه سيصلى ناراً ذات لهب، فكان مأموراً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين الضدين وهو محال.
والجواب عن هذا بالمنع، ولا نسلم أنه مأمور بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، والاستطاعة التي بها يقدر على الإيمان كانت حاصلة، فهو غير عاجز عن تحصيل الإيمان، فما كلف إلا ما يطيقه كما تقدم في تفسير الاستطاعة.
ولا يلزم قوله تعالى للملائكة:{أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء}[البقرة:٣١] مع عدم علمه بذلك، ولا للمصورين يوم القيامة:(أحيوا ما خلقتم) وأمثال ذلك؛ لأنه ليس بتكليف طلب فعل يثاب فاعله، ويعاقب تاركه، بل هو خطاب تعجيز، وكذا لا يلزم دعاء المؤمنين في قوله تعالى:{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[البقرة:٢٨٦] ؛ لأن تحميل ما لا يطاق ليس تكليفاً، بل يجوز أن يحمله جبلاً لا يطيقه فيموت، وقال ابن الأنباري أي: لا تحملنا ما يثقل أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه، قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أطيق النظر إليك! وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه، ولا يجوز في الحكمة أن يكلفه بحمل جبل بحيث لو فعل يثاب، ولو امتنع يعاقب، كما أخبر سبحانه عن نفسه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها] .