ولم ينفِ عن نفسه الرؤية ولو كان نقصاً لنفى ذلك عن نفسه، وذلك لأن الرؤية كمال، فكونه يُرى صفة كمال، وعدمها صفة نقص، وذلك لأن المعدوم لا يُرى، فالذي لا يُرى معدوم، والمعدوم ليس بشيء، والذي ليس بشيء هو كاسمه ليس بشيء، فأثبت الله تعالى أنه يُرى، ولكن نفى عن نفسه إحاطة الأبصار به في قوله:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] يعني: إذا رأته فإنها لا تحيط به، فترى ما يبدو وما يتجلى منه ولا تحيط به، {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}[الأنعام:١٠٣] ، وقد تقدم أن الرؤية غير الإدراك، فالله ما نفى إلا الإدراك، والإدراك هو الإحاطة.
وقد تقدم أن ابن عباس قيل له: أرأيت قول الله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] ؟! فقال للسائل: ألستَ ترى القمر؟ قال: بلى.
قال: أكُلَّه؟ قال: لا.
قال: كذلك الإدراك.
نحن نرى السماء، ولكن لا ندركها ولا ندري ما ماهيتها، ونحن نرى هذه الشمس وهذا القمر، ولكن لا ندرك ماهيته ولا من أي شيء هو، ونحن نرى هذا السحاب وهذه النجوم، ولكن تضعُف أبصارنا أن تحيط بها، وعن أن تعلم ماهيتها.
فإذاً الرؤية شيء غير الإدراك، فالإدراك زائد على الرؤية.
فمن تعظيم الله تعالى أنه يُرى ولا يُدرك.
كذلك من تعظيم الله تعالى أن يُعلم ولا يُحاط به، قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}[البقرة:٢٥٥] .
وقال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه:١١٠] أي: لا يعلمون إلا ما أعلمَهم، وذلك لنقص المخلوقين وعظمة الخالق سبحانه وتعالى، فهم مهما علموا لا يعلمون تفاصيل ذات الله تعالى ولا ما هو عليه إلا ما أطلعهم عليه، فهذا هو بيان الفرق بين ما يقوله هؤلاء وما يقوله أهل السنة.