للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موانع تكفير المعين]

الشهادة على معين بأنه كافر لا تجوز إذا كان من أهل القبلة ومن أهل الإسلام، من دخل في الإسلام وأعلن الدخول فيه ظاهراً لا يجوز أن يحكم عليه بعينه أنه كافر.

مثلاً: لو عمل إنسان عمل أهل الكفر، أو عمل معاص قد أطلق عليها أنها كفر، لا نكفره ما دام أنه من أهل القبلة، حتى ولو قال بمثل تلك الأقوال التي ذكرنا أن السلف كفروا بها، لكنهم لا يكفرون المعين لأسباب منها: أنه قد يكون مقلداً، وإثمه على من قلده وأحسن الظن به، يحسن الظن ببعض المشاهير، فيظن أنه على صواب فيتبعه، فنحن لا نحكم بكفره ما دام أنه لم يكن عنده الدليل الذي قام عليه، وإذا لم نكفره فلا نقاتله حتى نقيم عليه الحجة ويصر على كفره.

في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في القرن الثاني عشر خرج على أناس قد فشا فيهم الشرك، كتعظيم القبور، والذبح عندها، والتمسح بها، والتبرك بتربتها، ودعاء الأموات، ونحوه مما هو شرك، بل هو شرك الأولين، ولما دعا إلى ذلك لم يكفر إلا من عاند، فالجهلة وعوام الناس لم يكفرهم، وإنما يخطئهم، فإذا قامت الحجة عليهم وأصروا وعاندوا وتمادوا، وردوا الحق مع وضوحه، فهنالك يقاتلهم، ويكفر من قتل منهم، ويستبيح أموالهم ودماءهم؛ لأنهم أصبحوا كالمشركين الأولين الذين عبدوا غير الله، وأما قبل ذلك فلا يحكم بكفرهم.

وهذا مخالف لما ينقله عنه أعداؤه، فأعداؤه قد كذبوا عليه رحمه الله، وقالوا عنه شناعات، وقد رُد عليهم بكتب مثل: الأسنة الحداد في الرد على شبهات علوي الحداد، وهو حضرمي غال في الكذب عليه، ادعى أنه إذا جاءه إنسان ليدخل في دينه يقول له: لا أقبل منك حتى تقر أنك كنت كافراً، وتشهد على أبويك اللذين ماتا أنهما ماتا كافرين، وتشهد على أن الناس كفار منذ ستمائة سنة، ومثل هذه الأكاذيب التي ذكرها علوي الحداد في كتاب له في الرد على محمد بن عبد الوهاب.

وكذلك يوجد كتاب في الرد على آخر يقال له: بابصيل، وهو حضرمي أيضاً، جمع ترهات وأكاذيب مثل هذه الأشياء.

فالحاصل أنه رحمه الله ما كان يكفر إلا من قامت عليه الحجة، ولا يقاتل إلا بعدما يبين لمن قاتلهم أن هذا شرك، فإذا بينه وأوضحه فعند ذلك ينذرهم ويقول: إن تبتم وإلا قاتلناكم؛ لأنكم أصبحتم من المشركين الذين يعملون عمل المشركين.

فهذا دليل على أن أهل السنة لا يكفرون المعين حتى ولو كان عمله كفراً، إلا بعدما تقوم عليه الحجة.

إذاً من الشبهات: التقليد وإحسان الظن بالعلماء الذين بين ظهراني أولئك الناس المقلدين لهم، بحيث لا يحكم بتكفيرهم حتى تقام عليهم الحجة ويصروا على الكفر.

كذلك من الشبهات أيضاً: أنهم قد يجدون بعض الكتب المؤلفة فيما هم عليه، فلأجل ذلك يسيرون عليها، ويعتقدون أن ما فيها هو الصواب، ولا يقفون على ردودها، ولا يقفون على أدلة غيرها؛ فيسيرون عليها، فنعذرهم في ذلك حتى نبين لهم الخطأ الذي فيها، فإذا بينا لهم فأصروا، وكانت تلك الأعمال من الكفر، حينئذ كفرناهم وقاتلناهم، وإلا فلا.

وهناك أعمال دون الكفر، وهي التي تعرض لها الشارح رحمه الله، وذكر أنها من جملة البدع التي لا توصل إلى الكفر، وإنما هي أمور اجتهادية، ولكنها خاطئة.

فالأشاعرة عندهم بدع، وهي: إنكار بعض الصفات، والقول بأن كلام الله كلام نفسي، وأن هذا الموجود إنما هو المعنى لا الحروف، ونحو ذلك من بدعهم، ولكن لا نوصل ذلك إلى الكفر.

كذلك المرجئة الذين غلبوا جانب الرجاء لا نقول: إنهم وصلوا إلى الكفر، ولكن نقول: إنهم وقعوا في بدعة مفسقة لا مكفرة.

وعلى كل حال: فالتكفير خطره كبير، قد سمعنا هذه القصة التي أوردها الشارح رحمه الله، وهي قصة ذلك الشخص العابد الذي قال لصاحبه: والله لا يغفر الله لك.

قال الله لذلك المذنب: ادخل الجنة برحمتي، وعذب ذلك الذي تألى عليه، يقول أبو هريرة: (قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته) ، وهذا يدل على أن التكفير ذنبه كبير وخطؤه عظيم؛ فلأجل ذلك على الإنسان أن يحفظ لسانه فلا يكفر المعين.