ولكن قد ذهب بعض الفلاسفة إلى أن هذا الوجود لم يسبق بعدم، وأن هذا النوع الإنساني قديم ليس له بداية وليس له أول، وأنكروا أن يكون هناك بشر اسمه آدم خلق من تراب، وأنكروا أن يكون لهذا الخلق نهاية، وأن تكون هناك الساعة التي تقوم، وأن يكون هناك النفخ في الصور وما أشبه ذلك، واعتقدوا أن هذا النوع لم يزل، وأن جنس هذا المخلوق أزلي قديم، وأنه مستمر بلا نهاية، ولا شك أن هذا فيه إنكار من وجوه: أولاً: إنكار للأمور الغيبية التي أخبر الله تعالى بها.
ثانياً: إنكار للجزاء على الأعمال التي أخبر الله بأنه يجازي عليها عباده في الآخرة.
ثالثاً: إنكار لشرع الله عز وجل وأمره ونهيه وأحكامه التي حكم بها على العباد.
وإنكار ذلك كله يخرج من الملة، والواجب على المسلم أن يكون معتقداً لما أخبر الله به من كونه هو الحي القيوم الذي لم يزل ولا يزال، ومن كونه هو المتصف بالخلق وبالتصرف وبالتدبير لشئون العباد، ويعتقد أيضاً أنه هو المتفرد بإيجادهم وحده ولم يكن هناك من أوجدهم غيره، وكونه يعتقد أن قبلهم خلقاً غيرهم، وقبل الخلق خلقاً، وقبل الأولين أولين، فهذا من الأمور الغيبية التي لم يطلعنا الله عليها.
ونقول: الله أعلم بمن كان قبل ذلك وبأفعاله قبل ذلك، إلا أننا نعتقد أنه موصوف بهذه الصفات وإن لم تظهر آثارها، كما ذكر في المتن أنه ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بعد وجود من يرزقهم استفاد اسم الرازق، بل اسمه الخالق قبل أن يبدأ الخلق، واسمه الرازق قبل أن يوجد الخلق الذين يرزقهم؛ لأنه خالق بالقوة قبل أن يخلق وإن لم يكن خالقاً بالفعل.
ونتوقف عن تسلسل الحوادث في الماضي، ونقول الأمر غيب، ولم يخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك، وليس لنا التدخل في هذه الأمور؛ لأنها من الأمور التي لا يضر جهلها ولا يفيد علمها، وقد توقع في شيء من الحيرة ومن الاضطراب، والمسلم عليه أن يقتصر على ما فيه فائدة له في العقيدة، وأن يعتقد ما ينفعه وما يكون دافعاً له إلى معرفة ربه بأسمائه وبصفاته، وإلى التقرب إلى الله تعالى بموجب تلك الأسماء.