للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مخالفة متأخري الحنفية في كلام الله لما عليه السلف]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكثير من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد، والتعدد والتكثر والتجزؤ والتبعض حاصل في الدلالات لا في المدلول، وهذه العبارة مخلوقة، وسميت كلام الله لدلالتها عليه وتأديه بها، فإن عبر بالعربية فهو قرآن، وإن عبر بالعبرية فهو توراة، فاختلفت العبارات لا الكلام.

قالوا: وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازاً.

وهذا الكلام فاسد؛ فإن لازمه أن معنى قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢] هو معنى قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣] ، ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين، ومعنى سورة الإخلاص هو معنى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] ، وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف] .

المؤلف حنفي، ولكن هو ممن وفقه الله لأخذ العلم عن مشايخ اعتقدوا عقيدة سلفية فتلقى تلك العقيدة عنهم، وتأثر بشيخه عماد الدين بن كثير صحاب التفسير رحمه الله، وابن كثير تأثر بـ ابن تيمية حيث إنه قرأ عليه فصلحت عقيدته وأصلح غيره، ولهذا ينقل الشارح كثيراً عن ابن تيمية وعن تلميذه ابن القيم وإن لم يصرح بالنقل عنهما؛ وذلك لأنه لو نقل عنهما بالصراحة لنبذ كلامه لكون كثير من الحنفية لا يقبلونهما لأسباب.

أولاً: لأنهما من الحنابلة.

وثانياً: لأنهما في نظر أكثر المتأخرين قد ارتكبا خطأً كبيراً بإظهار هذه العقيدة التي ليس عليها أحد في زمانهما.

فالشارح يحكي أن الحنفية يقولون بهذه المقالة التي ذكر، فاعتقادهم أن كلام الله معنىً واحد ليس متعدداً.

ورد عليهم بأن هذا القول قول فاسد، حيث جعلوه معنىً واحداً إن عبر عنه بالعربية فهو القرآن أو بالعبرية فهو التوراة أو بالسريانية فهو الإنجيل كما يقولون، وإلا فهو معنىً واحد، فيرد عليهم بأن هذا فيه إبطال لما تضمنه القرآن، وعلى قولهم تكون آية الكرسي مثل آية الدين، وهل يقول هذا عاقل؟ وهل يقول عاقل إن سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:١] كصورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، فهل المعنى الذي في هذه هو المعنى الذي في هذه؟ وكل عاقل يعرف أن هذه لها مدلول وهذه لها مدلول، وهكذا آية الرحمة غير آية العذاب، وآية ذكر الجنة غير آية ذكر النار، فالذي يتأمل هذه المقالة يعلم بعدها عن الصواب، ومع ذلك فقد قال بها جموع كثيرة، وجمع غفير انخدع بذلك واعتقد أنه هو القول الصواب، وتلقوه عن مشايخهم.

وشبهتهم التي اعتمدوا عليها هو خوفهم من أن يقولوا: إن الله متكلم، واعتقادهم أن الكلام لا يصدر إلى من ذات، وأنه يحدث، وأن الله منزه عن أن تقوم به الحوادث، وقد عرفت بطلان هذه المقالة.