وقد أنكر ذلك بعض المبتدعة، وكان أول من أنكره من القدرية معبد الجهمي وغيلان القدري وعمرو بن عبيد القدري وواصل بن عطاء القدري، وكل هؤلاء أدركوا زمن الصحابة أو آخر زمن الصحابة، ولكنهم -والعياذ بالله- تلقوا هذه البدع عن بعض النصارى أو نحوهم، فكان من عقيدتهم أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف.
وسئل عنهم ابن عمر فأنكر عليهم إنكاراً شديداً، كما في الحديث الذي ذكره مسلم في أول صحيحه فقال:(إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره) ، يعني: أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه.
وعلى هذه العقيدة أيضاً الرافضة ونحوهم، وغالب الرافضة معتزلة، فهم جمعوا بين بدعة الرفض التي هي تكفير الصحابة، وبدعة الاعتزال التي هي إنكار صفات الله، ومن أبرز الصفات صفة العلم، وهؤلاء الذين ينكرون أن الله يعلم الأشياء قبل وجودها هم الذين عناهم الإمام الشافعي رحمه الله بقوله:(ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا) يعني: إذا ابتليتم بأحدهم بمجادلته ومخاصمته ومناظرته فسلوهم عن صفة العلم لله، فإذا أقروا به خصموا، أي: يقال لهم: ما الفرق بين العلم الماضي وعلم المستقبل؟ فإنه إذا كان يعلم الماضي فهو يعلم المستقبل، وقولوا لهم أيضاً: هل تحدث هذه الكائنات بغير إرادته؟ فلا بد أن يقولوا: هو الذي يحدثها وهو الذي يوجدها، فيقال: كيف يوجدها وهو لا يعلم وقت وجودها؟ وناظروهم أيضاً بالأدلة كقوله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ}[الحج:٧٠] ، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}[المجادلة:٧] إلى آخر الآية، وأشباه ذلك، فإنهم بهذا سوف ينقطعون ولا يجدون حجة.