[إخبارهم بما سيكون ووقوعه]
قال رحمه الله تعالى: [ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم علمنا يقيناً أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة: منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم.
ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه كغرق فرعون وغرق قوم نوح وبقية أحوالهم؛ عرف صدق الرسل.
ومنها: أن من عرف ما جاء به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها، تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاءوا به من الرحمة والمصلحة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم، ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم برٍ يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق] .
زيادة على المعجزات التي أجراها الله تعالى على أيديهم هذه الآيات التي ذكرها، إذا تأملها المتأمل صدق بأنها من الله، وصدق بأنهم جاءوا من عند الله، وأنهم مرسلون صادقون فيما بلغوه.
فأخبروا بأن الله يهلك المكذبين وينجي المصدقين ووقع ما أخبروا به، فأهلك الله أعداءه وأنجى أولياءه، كما حكى الله تعالى ذلك.
وأخبروا بأن الله ينصر أولياءه ويخذل أعداءه، كما في قوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:٥١] ، فوقع ما أخبروا به، وأخبروا بأمور مستقبلة لم تقع فوقعت ووافقت ما أخبروا به سواء بسواء، وذلك دليل صدقهم وصحة رسالتهم.
وأخبروا بأن هذه الشرائع من الله، وبالتأمل عرف صدقهم، حيث تواتر عن الأنبياء ما يدل على اتفاق شريعتهم، فصدق المتأخر منهم من قبله ووافق ما جاء به، وأيد المتقدم من يأتي بعده.
فحكى الله عن عيسى أنه قال: {وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ} [آل عمران:٥] ، وحكى عنه أنه قال: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦] .
وهكذا الرسل يصدق الأول منهم من قبله، ويبشر بمن بعده، أو يأمر بأن يتبع.
ولاشك أن ذلك كله مع اجتماعه دليل صدق وصحة ما جاءوا به من الرسالة، وأنها من الله تعالى.
ونحن نعلم يقيناً أنه كان في الأرض رسل، وكان لهم أمم، وجاءوا بشرائع وبلغوها لأممهم، وصدقهم مصدقون وكذبهم مكذبون، وبقيت شرائعهم بعدهم، ونجى الله المؤمنين وأهلك المكذبين، نعلم ذلك بالتواتر زيادة على خبر الله تعالى.
ونعلم صدقهم بهذه المعجزات التي أجراها الله تعالى على أيديهم.