للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على آية: (وما يعمر من معمر)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن الدعاء يكون مشروعا نافعاً في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو، ولهذا لا يجيب الله المعتدين في الدعاء، وكان الإمام أحمد رحمه الله يكره أن يدعى له بطول العمر، ويقول: هذا أمر قد فرغ منه.

وأما قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر:١١] فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: (مِنْ عُمُرِهِ) إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه، أي: ونصف درهم آخر فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل: الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة.

وحمل قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٨-٣٩] ، على أن المحو والإثبات من الصحف التي في أيدي الملائكة.

وأن قوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩] اللوح المحفوظ، ويدل على هذا الوجه سياق الآية، وهو قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:٣٨] ، ثم قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:٣٩] أي: من ذلك الكتاب {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩] أي: أصله وهو اللوح المحفوظ.

وقيل: يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، والسياق أدل على هذا الوجه من الوجه الأول، وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:٣٨] ، فأخبر تعالى أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه بل من عند الله، ثم قال: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:٣٨-٣٩] أي: أن الشرائع لها أجل وغاية تنتهي إليها ثم تنسخ بالشريعة الأخرى، فينسخ الله ما يشاء من الشرائع عند انقضاء الأجل ويثبت ما يشاء، وفي الآية أقوال أخرى، والله أعلم بالصواب] .

هذا يتعلق بعلم الله تعالى بالكائنات قبل وقوعها وبتحديدها وتقديرها، ومن ذلك أن الله تعالى حدد أجل كل إنسان وقدر عمره كما في هذه الآية، وهي قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر:١١] أي: الذي يعمر فيطول عمره هذا مكتوب، والذي ينقص من عمره فيموت وهو صغير أو وهو شاب أو وهو كهل لم يبلغ سن الشيخوخة أو الكبر، فذلك أيضاً مكتوب عمره ومحدد، وهو معنى الآيات التي فيها ذكر الآجال، كقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] أي: ساعة، وكقوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:١١] أي: أجلها المحتوم المكتوب، فلا بد أن يكون موتها في الوقت الذي كتب الله.

ولما قال المنافقون في غزوة أحد: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨]-يعنون إخوانهم- قال الله: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} [آل عمران:١٦٨] يعني: أنتم سوف تموتون فادفعوا الموت عن أنفسكم، وفي آية أخرى قال لهم: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:١٥٤] يعني: الله تعالى قد كتب القتل على هؤلاء الذين قتلوا، فلو تحصنوا في بيوتهم لجعل الله لهم أسباباً يبرزون بها ويخرجون حتى يأتيهم الأجل الذي كتب عليهم ولا بد.

وهذا من حيث العموم، فيعتقد المسلمون أن الله سبحانه قدر الآجال وحددها.