[ذكر الآيات الدالة على الفرق بين الإرادة الشرعية والقدرية]
ذكر الشارح الأدلة من الآيات على الفرق بين الإرادتين، فإن قوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ}[الأنعام:١٢٥] ، هذه إرادة كونية، يعني: من قدر الله له كوناً أنه يهديه، فإنه يشرح صدره للإسلام، {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ}[الأنعام:١٢٥] ، أي: من قدر الله له أنه يضل ولا يهتدي، فإنه يجعل صدره ضيقاً حرجاً، فهذه إرادة كونية قدرية.
ومثلها قوله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة:٢٥٣] ، وقوله:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[البروج:١٦] ، وقوله:{إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}[هود:٣٤] هذه إرادة كونية، يعني: إذا كان الله يريد كوناً وقدراً أن يغويكم فلا راد لما أراده، وهذا معنى قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
لكن إذا احتج بعض العصاة وقال: إن الله ما أراد هدايتي، فكيف أهتدي والله لم يرد؟ نقول له: اسأل الله الهداية حتى يستجيب لك وافعل السبب، فإن الله أعطاك قدرة وأعطاك استطاعة على الأسباب، وأقدرك على الأسباب المحسوسة، فافعلها حتى تكون أسباباً في حصول الإرادة ووجودها.
وإذا قال بعض العصاة مثلاً: هكذا أراد الله مني هذه المعصية، نقول: أرادها كوناً ولم يردها شرعاً، الله تعالى أراد منك الإيمان شرعاً وأمرك به، بل أمر الناس كلهم أن يتقوا الله، وأن يؤمنوا به، وأحب ذلك منهم:{فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}[النحل:٣٦] .
وبلا شك أن الخير دائماً ينسب إلى الله تعالى، وأما الشرور فلا يجوز نسبتها إليه، كما حكى الله عن مؤمني الجن أنهم قالوا:{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:١٠] ، فالإرادة هنا في هذه الآية إرادة شرعية، يعني: أراد الله بهم الخير إرادة شرعية، والإرادة في الأولى:{أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ}[الجن:١٠] إرادة كونية، وبهذا يحصل للمؤمن معرفة الفرق بين الإرادتين.