للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة أبي بكر وحزمه في تعامله مع المرتدين]

الصحابة الذين بايعوا أبا بكر واجتمعوا على بيعته علموا أهليته وكفاءته، ومن نظر في سيرته رضي الله عنه ويرى كيف ضبط الأمور، وكيف أنفذ الجيوش، وكيف أرسل الرسل للدعوة، وكذلك ما وقع في السنة الأولى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من ارتداد العرب عن الإسلام، حتى لم يبق على الإسلام إلا أهل مكة وأهل المدينة وأهل الطائف، أما الأعراب حولهم فكلهم قد ارتدوا إلا من شاء الله، وكيف قوي أبو بكر على ضبط الناس كلهم، وقد رموا الإسلام عن قوس العداوة، ولكن حزمه رضي الله عنه وفطنته وسياسته وسيرته، وهذا يدل على أنه ذكي عارف، فصل في الأمور، وتعامل مع الأمر بحزم إلى أن رجع الناس في أقل من نصف سنة، واجتمع العرب كلهم على الرجوع إلى الإسلام، ودانوا بالإسلام بعدما كانوا تركوه، ولا شك أن في هذا فراسة قوية تدل على خبرته وحنكته وأهليته، وأن الله تعالى ما اختاره في هذه الحالة الحرجة إلا لأهليته، ولأجل ذلك يقول بعض العلماء: إن الله تعالى حفظ الإسلام برجلين: أبي بكر يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة، ولأجل ذلك سمي بـ الصديق، أخذاً من قول الله تعالى في سورة الزمر: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣] الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هو أبو بكر، فهذه بلا شك أنها تدل على أهليته، وقد أجمع الصحابة على تسميته ب الصديق مبالغة في الصدق، ولا شك أن الصديقية هي أعظم المراتب بعد النبوة، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:٦٩] فبدأ بالصديقين بعد النبيين، والصديقون هم: المبالغون في التصديق، وأبو بكر رضي الله عنه على رأسهم.

فهذه الفضائل والميزات هي التي صار بها أهلاً أن يتولى أمر المسلمين، ولكن طمس الله على قلوب الرافضة وأعمى بصائرهم وحال بينهم وبين مائدة الحق، فولدوا أكاذيب بأنه مغتصب، وأن الصحابة كلهم خونة، وأن علياً مظلوم، حتى جعلوا علياً أيضاً من الظالمين؛ لأنه أقر بخلافة أبي بكر وبايعه وصبر على بيعته في زمانه، ولم يطالب بشيء من الخلافة، بل علي رضي الله عنه كان يصلي خلف أبي بكر مدة خلافته، إذلم يقل أحد من أهل السنة إن علياً كان يصلي وحده، أو كان له محراب يصلي فيه وحده، ولا قال أحد: إنه ترك الصلاة مع الجماعة وحاشاه.

إذاً: فقد كان يصلي خلف أبي بكر، أوليس ذلك دليل على أنه أقر بخلافته، وأنه رضي به والياً كما رضي به بقية المسلمين؟