وقد أخبر الله بالحكمة من خلقه لهذا الخلق، وهو أنه خلقهم لعبادته وأمرهم بطاعته، خلقهم ليعرفوه ويعبدوه وأمرهم بأن يوحدوه ويطيعوه، وهو الغني عنهم، ولهذا قال:{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}[الذاريات:٥٧] ، وقال تعالى في آية أخرى:{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ}[الأنعام:١٤] ، فهو الغني وهم الفقراء.
إذا عرف العباد بأنهم مخلوقون وأن لهم خالقاً، عرفوا بأن ذلك الخالق غني عنهم وأنهم فقراء إليه، عرفوا بأنهم مملوكون وأن لهم مالكاً، عرفوا بأنهم مدبرون وأن هناك من يدبرهم ويسخرهم ويتصرف فيهم كما يشاء، ذلك الخالق والمالك والرب والمتصرف هو الذي يستحق أن يعبدوه، ولأجل هذا خاطبهم بذلك وذكرهم، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ}[البقرة:٢١] ، ابتدأ بنعمة الخلق بعدما أمرنا بأن نعبده، ومن أسباب أمره سبحانه بعبادته: أولاً: أنه خلقكم.