منبع العقيدة وأصلها هو الإيمان بالغيب، وأن ذلك ينحصر في الأركان الستة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الإيمان حيث قال:(الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) ، وذكرنا أن أصل ذلك كله هو الإيمان بالله، وأن من آمن بالله سبحانه إلهاً ورباً وخالقاً ومعبوداً التزم الإيمان بسائر كتبه، والتزم الإيمان بالعذاب والنعيم الذي وعد به، والتزم الإيمان بالأمر والنهي الذي شرعه، والتزم الإيمان بالقضاء والقدر الذي قدره وقضاه، والتزم الإيمان بالبعث والنشور الذي أخبر به، وآمن بالرسل، وآمن بالكتب، وآمن بالملائكة، وآمن بالغيب كله، آمن بما أخبر الله به، ونتج عن الإيمان بذلك العمل، أي: صدق بذلك تصديقاً جازماً، وعمل بما صدق به وبما هو قادم عليه.
ويتوقف الإيمان بالله تعالى على معرفة الأدلة، قال في الأصول الثلاثة التي كان الأولون يقرئونها أبناءهم: إذا قيل لك: من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته، وإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته.
هذه أكبر العلامات وأكبر الأدلة: الآيات والمخلوقات، فمن عرف الله تعالى بآياته وعرفه بمخلوقاته آمن به، ومن آمن به آمن بخبره، وآمن بأمره ونهيه، وآمن بوعده ووعيده، وآمن بشرعه وبحكمه، وآمن بقضائه وبقدره، وآمن بكل ما أخبر به، ومتى آمن بذلك وصدق به تصديقاً جازماً ظهرت آثار ذلك على أعماله، فرأيته مسارعاً للأعمال، ورأيته مستكثراً من الصالحات، ورأيته مستعداً للقاء الله، ورأيته عاملاً بما أمر الله، ورأيته مبتعداً عما حرم الله، وإذا رأيته ليس كذلك فاعلم أن تصديقه ضعيف، واعلم أن إيمانه ضعيف، من رأيته يتجشم الكبائر، من رأيته يتساهل بالصغائر ويصر عليها، من رأيته يترك الأوامر ويتساهل بفعل الشرائع، فاعلم أن تصديقه ضعيف، واعلم أن إيمانه مشكوك فيه، فإن الإيمان الضعيف يظهر أثره بقلة الأعمال الصالحة، وباقتراف السيئات وترك المأمورات، والإيمان القوي يظهر أثره على الأعمال، فتجد المؤمن القوي مسارعاً إلى الخيرات مستكثراً منها، يعلم آثارها، ويعلم صلاحها، ويعلم النتيجة التي يجنيها من ورائها، ويعلم أن ثوابها عظيم، وأن أجرها لا يضيع عند الله، ويعلم أن في تركها الحسرة والندامة.
فهذه العلامات التي تعرف بها المصدق من المكذب، تعرف بها الصادق من الكاذب، تعرف بها الإيمان من النفاق.
ومر بنا أن من أركان الإيمان الإيمان بالملائكة، ويدخل في ذلك ما أخبر الله تعالى عنهم، مع أنا لم نرهم، ولكن نؤمن بهم كما أخبر الله، وذلك من الإيمان بالغيب.