قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (وإن محمداً) بكسر الهمزة عطفاً على قوله: (إن الله واحد لا شريك له) ؛ لأن الكل معمول القول، أعني قوله:(نقول في توحيد الله) .
والطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات، لكن كثيراً منهم لا يعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، وقرروا ذلك بطرق مضطربة، والتزم كثير منهم إنكار خرق العادات لغير الأنبياء، حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك.
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن الدليل غير محصور في المعجزات؛ فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما وتعرّف بهما، والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة؟ وما أحسن ما قال حسان رضي الله عنه: لو لم يكن فيه آيات مبيِّنة كانت بديهته تأتيك بالخبر وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز؛ فإن الرسول لابد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور، ولابد أن يفعل أموراً، والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به وما يخبر عنه، وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة، والصادق ضده، بل كل شخصين ادعيا أمراً أحدهما صادق والآخر كاذب، لابد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة؛ إذ الصدق مستلزم للبر، والكذب مستلزم للفجور، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) ] .