لما أن الحسن العسكري لم يكن له أولاد وكان عندهم أن الإمامة في ذرية علي، كل واحد منهم يخلفه ولده، فلم يكن للحسن العسكري ولد، فلما توفي ولم يكن له ولد أوحى إليهم الشيطان وقال: لا يمكن أن ينقطع الأمر، وأن لا يكون لهم أولاد يخلفونهم، فإذاً: الثاني عشر من أئمتهم هو محمد بن الحسن العسكري، أين هو؟! دخل سرداب سامراء ولابد أن يخرج! يدعون أنه دخل وهو طفل عندما ولد، أو بعد ما ترعرع، وأنه لا يزال في ذلك السرداب، وأنهم ينتظرونه من سنة مائتين وستين أو نحوها، وهم ليس لهم إمام، مع أنهم يقولون: لا تصلح الدنيا إلا بإمام، ولابد أن يكون ذلك الإمام معصوماً، وأن الإمامة لا تخرج عن ذرية علي، ثم ذرية الحسين، ثم ذرية زين العابدين، ثم ذرية الصادق والباقر والرضا ونحوهم إلى الحسن، فلابد أن يكون للحسن ولد يخلفه.
وأهل العلم والمؤرخون يقولون: إن الحسن العسكري لم يخلِّف وإنه مات وليس له ولد، لكن هؤلاء لما كانت العقيدة راسخة عندهم وأن نسله لا ينقطع جاءهم الشيطان وقال: إن له ولداً، ولكنه دخل هذا السرداب، ثم لابد أن يخرج فانتظروه، فصاروا ينتظرونه.
والآن له نحو ألف ومائة وخمسين سنة، وهم لا يزالون ينتظرونه! وكانوا في تلك المدة القديم يُجلسون واحداً ينتظره، ويصيح: اخرج يا مولانا! اخرج يا مولانا! وليس عنده أحد، وقد جعلوا عند طرف السرداب فرساً، وجعلوا عليها سرجاً، وجعلوا مع الحراس الذين يحرسونها سيوفاً حتى يحمونه إذا خرج! ويدعون أنه سوف يخرج ويركب الفرس، ويذهب إلى مكانهم، ويقتل أعداءهم كما يزعمون، وينتصر لهم ممن خالفهم، ولا يزالون منذ ألف ومائة وخمسين سنة وهم على هذه الطريقة إلى اليوم! قبل خمسة أشهر أو نحوها جاءنا بعض الإخوان ومعه أوراق أخذها من الشيعة الذين أسروا في حرب الخليج، وأودعوا في السجون، فوجدوا معهم أوراقاً كلها غلو ومبالغة في التشيع، وإذا بواحدة من الأوراق فيها ذكر الأئمة الاثني عشر: الإمام علي، والإمام الحسن، والإمام الحسين، إلى أن قال: والإمام محمد بن الحسن العسكري عجل الله بخروجه، فلا يزالون يُؤمِّلون أنه سوف يخرج، ولا يزالون ينتظرونه! وفي وقت الشارح -في القرن الثامن- يذكر أنهم يجعلون عند السرداب فرساً، والآن لا أدري هل استبدلوا بالفرس سيارة أو لا يزالون ينتظرونه كما كانوا! الله أعلم.
ولا شك أن هذا غاية الحمق وغاية الضلال، ولما ذكر ابن القيم رحمه الله في آخر كتاب: المنار المنيف حالتهم، وأن محمد بن الحسن العسكري هو منتظرهم، وأنهم لا يزالون ينتظرونه أنشد قول الشاعر: ما آن للسرداب أن يلد الذي حملتموه بزعمكم ما آنا فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا أي: هذا السرداب الذي تحرسونه ما آن له أن يلد ولدكم؟! ما آن أن يخرج هذا الولد الذي جعلتموه حاملاً به؟! ولابد للحامل أن تلد، فمتى يلد هذا السرداب؟! ومتى يخرج هذا الولد الذي جعلتموه حاملاً به؟! ولا شك أن هذا هو غاية السفه، وغاية الضلالة.
يشترطون أن يكون للدنيا إمام معصوم، ويزعمون أن الدنيا لا تخلو من إمام معصوم، وأن ذلك الإمام هو الذي يدبر أمور الناس، إمامكم يا معشر الرافضة لم ينفعكم منذ ألف ومائة وخمسين سنة.
ولما استولى عليهم -قريباً- الخميني الذي سموه: آية الله الخميني قالوا له: ننتظر أن يخرج المنتظر الذي هو المهدي المنتظر يعني: العسكري، يقولون: إنه قال: نحن نخلفه حتى يخرج، نحن نعمل وندبر الأمور، فخدعهم بذلك، وادعوا أنه خليفة عن المهدي المنتظر، فصاروا يعظمونه ويطيعونه ويقدسونه تقديساً يخرج عن المعتاد، كما ذكر لنا كثير ممن صحبهم، أنه عندهم كأنه رسول، بل قد يشرع لهم ويأمرهم بأوامر لا يأمر بها إلا الرسل، أو من يتلقى عن الرسل.
وبكل حال فقد خالفوا في هذا الأمر، وهو أنهم لا يطيعون للأئمة، ولأجل هذا فإنهم في كل زمان لا يثبتون خلف أئمة الزمان، بل كثيراً ما يخرجون عن الطاعة، وينبذونها ويقاتلون الأئمة والخلفاء، ويفعلون ذلك كثيراً، إلى أن جاء هذا الوقت الذي تفرقت فيه الولايات، واستقلت كل دولة في جانبها وفي جهتها، فصار كل من تولى بلداً سموه رئيساً وسيداً وزعيماً، وصار يتصرف فيمن تولى عليه من رافضة أو من غيرهم.