للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب الخلاف في حكم أهل المعاصي]

ذكر الشارح أن هذه المسألة مبنية على قول من يقول: إن الإيمان يتفاوت، وإن هناك إيماناً كاملاً، وهناك إيماناً ناقصاً، وإن هناك كفراً دون كفر ونحو ذلك.

وهذه الآيات التي في سورة المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] ، وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥] ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧] بعض السلف أطلق عليهم هذا الكفر والفسق والظلم؛ وذلك لأنهم عاندوا، وعرفوا أنه حكم مغاير لحكم الله، وشرعوا مع الله، وجعلوا شرعهم أحسن من شرع الله، وتنقصوا حكم الله، وادعوا أنه ليس بمناسب وليس بصالح، فلأجل ذلك حكم عليهم بالكفر والظلم والفسق.

وآخرون قالوا: إذا فعل ذلك لهوى، ورأى أن الحكم الشرعي لا يناسب في بعض الأحيان، وأن الحكم بغيره قد يكون أنسب، فحكم بذلك متأولاً، فإنا لا نخرجه من الإسلام، بل نجعله دون هذا، فقالوا: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهذا على طريقة من يجعل الكفر يتفاوت، ويجعله كفراً أكبر، وكفراً أصغر، وكفراً أوسط، وكذلك يجعلون الإيمان إيماناً كاملاً، وإيماناً متوسطاً، وإيماناً ناقصاً.

ونحن نقول: نعم؛ الإيمان يتفاوت؛ ولأجل ذلك تنقصه المعاصي، وتزيده الطاعات.

وأما الكفر فنقول: إن الكفر يبطل الأعمال كما ذكرنا أدلته، فلأجل ذلك الكافر ولو أدى أعمالاً في حياته لا تنفعه، إلا أننا إذا رأيناه يعمل الأعمال التي تختص بالإسلام عاملناه معاملة المسلم، فمن رأيناه مثلاً: يصلي، ويحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ حكمنا بأنه مسلم؛ لأننا نحكم بالظاهر، ونكل أمر السرائر إلى الله تعالى، ولو كان في الباطن كافر فباطنه أمره إلى الله.

لكن إذا رأيناه مع الصلاة يعبد غير الله مثلاً أو يشرك، أو يحكم بغير الشرع، ويفضل حكم غير الشرع على حكم الشرع عاملناه بما يستحقه.

وبذلك يعرف أن باب تفاوت المؤمنين، وتفاوت الكفار يكون بحسب ما في القلوب من الإيمان أو من ضد الإيمان، وهذه مسألة لها أهميتها، يعرف الإنسان أن أهل الإيمان يتفاوتون، فإيمان قوي يحمل على كثرة الطاعات والعبادات، وإيمان ضعيف لا يزجر عن المحرمات ولا عن الآثام.