[حسن التصور ومعرفة فائدة أمر ما دافع إلى الإقدام عليه]
قال الشارح رحمه الله:[ومنها: أن يقال: من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق، ومجرد التعليم والتحضيض لا يوجب العلم والإرادة لولا أن في النفس قوة تقبل ذلك، وإلا فلو علم الجهال والبهائم وحضِّضا لم يقبلا، ومعلوم أن حصول إقرارها بالصانع ممكن من غير سبب منفصل من خارج، وتكون الذات كافية في ذلك، فإذا كان المقتضي قائماً في النفس وقدر عدم المعارض فالمقتضي السالم عن المعارض يوجب مقتضاه، فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقرة بالصانع عابدة له] .
صحيح أن مجرد التحريض لا يدفع الإنسان، فلو كان لك ولد وأنت تحرضه وتقول: يا ولدي! تعلم يا ولدي! اطلب العلم.
يا ولدي! احفظ القرآن.
وهو مع ذلك ليس له رغبة، بل نفسه مائلة عن هذا التعلم، فلو ضربته ولو أدبته ولو نصحته ولو علمته ما قبل إلا إذا أقبلت نفسه هوي ذلك وعرف فيه فائدة ومنفعة، وهذه المعرفة تتكون من التصور، وذلك لأن الإنسان له عقل، وعقله يهديه إلى تصور الأمر، فيتصور الشاب -مثلاً- أن الجهل مقت، فيقول: لماذا أبقى على الجهل وهو نقص ويتصور أن العلم شرف فيدفعه هذا التصور إلى التعلم، أما مجرد الضرب والترغيب والترهيب والتخويف ونحو ذلك إذا لم يكن هناك تصور وإقبال من النفس فإنه لا يفيد كما هو مشاهد.
فالذي يريد الخير لابد أن يعرف فوائده من قبل؛ حتى تدفعه تلك المعرفة إلى طلبه، فالعبد إذا عرف -مثلاً- أنه مخلوق، وعرف أن المخلوق عليه حقوق، وعرف أن أداء تلك الحقوق سبب للسعادة، فإنه سيحرص على أداء تلك الحقوق حتى تحصل له السعادة والحياة الطيبة في الدنيا، والجنة في الآخرة.
ولكن من أين يأخذ معرفة تلك الحقوق التي عليه؟ يأخذها من الشريعة، فيقول: الحقوق التي علي هي عبادة الله، دعاؤه وخوفه ورجاؤه والرغبة إليه وخشيته والخشوع له وترك التعلق بغيره وترك عبادة غيره بأي نوع من العبادة وطاعته وترك معصيته، وما أشبه ذلك.
فالعاقل عليه أن يعلم أولاً الفائدة، أي: إذا أردت أن ترغّب ولدك في أمر فإن عليك أن تعلمه بفائدته حتى يقبل إليه، فأنت -مثلاً- إذا أخذت تعلمه حرفة من الحرف أو صنعة يتكسب بها كبناء وغراسة أو تجارة أو أي صنعة من الصنائع، فلابد أنك سوف تخبره بفوائدها، وستقول له: تعلم هذه الحرفة فإنها صنعة مفيدة، يحتاج إليها الناس، وتكتسب كذا وكذا، فإذا اقتنع اندفع وطلبها، فكذلك إذا قلت: أنت محتاج إلى العلم، والعلم فائدته كذا وكذا، واقتنع فإنه يندفع إلى العلم، وهكذا إذا قلت للإنسان: أنت محتاج إلى ربك، حتى يثيبك ويعطيك، وربك غني عنك، وحق الله عليك أن تعبده، وعبادته كذا وكذا.
فإذا صدق واقتنع فإنه يندفع للعبادة.
فإذاً ننصح كل إنسان أراد إقناع آخر أن يخبره بفائدة ذلك الأمر الذي يدفعه إليه حتى يرغب فيه.