للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموقف]

الموقف هو موضع خصصه الله على وجه الأرض، وقد أخبر الله بأن الأرض تبدل، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [إبراهيم:٤٨] ، وأخبر بأنها تمد مداً، {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:٣-٥] ، أي: تمد كما يمد الأديم العكاظي، وكذلك يزال ما عليها من البنيان، وتزال الجبال التي عليها، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:٥] ، تتفتت أولاً وتصير كالرمل كما في قوله تعالى في قوله: {كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل:١٤] ، ثم بعد ذلك تكون كالهباء الذي يسير، {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:٨٨] أي: كأنها السحاب الذي هو هباء -غيم- وبعد ذلك يزال ما عليها، يقول الله تعالى: {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:١٠٧] أي: مستوية ليس فيها منخفض ولا مرتفع، تزال الأشجار، وتزال الجبال، وتزال الأبنية، وتزال الكثب والمرتفعات ونحو ذلك، ويقوم الناس عليها: أولهم وآخرهم، يجمعون كلهم، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:٤٩-٥٠] ، فأخبر أن أولهم وآخرهم كلهم مجموعون مجتمعون في ذلك اليوم الذي هو يوم الجمع ويوم العرض.

والعرض يكون على الله تعالى، ولكن بعد أن تطول المدة في ذلك الموقف، وبعدما يلحقهم التعب والعناء، فيستشفعون إلى الله تعالى بالأنبياء، ويشفع محمد صلى الله عليه وسلم لينزل الله تعالى لفصل القضاء، ثم بعد ذلك العرض، وهو عرض الناس، يقول الله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً} [الكهف:٤٨] أي: صفوفاً: صفاً بعد صف؛ ليحاسبهم، وقد أخبر تعالى أنه يحاسبهم، وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يحاسبهم الله ويناقشهم، ويذكرهم بكذا وكذا، (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان) ، وأخبر الله تعالى أنه سريع الحساب، لا يشغله شأن عن شأن.