ذكر أن غلاة المعتزلة المتقدمين أنكروا هذا النوع وزعموا أن الله لا يعلم الأشياء حتى توجد، وقال بعضهم: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، أي: يعلم عموم الأشياء ولا يعلم تفاصيلها، ومقتضى هذا أنه يعلم عدد الخلق ولكن لا يعلم تفاصيل أعمالهم، فإذا علم أن هذه القبيلة يبلغ عددها كذا وكذا، فلا يعلم أعمال هذا الإنسان حتى يعملها.
وهذا يعتبر تنقصاً لعلم الله:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:٢٨٢] ، {وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[التوبة:٧٨] ، فيلزم التنقص إذا وصف بأنه لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.
هؤلاء الذين أنكروا العلم السابق الأزلي هم الذين عناهم الإمام الشافعي في هذه الكلمة:(ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خُصموا، وإن أنكروا كفروا) ، يعني: هل تقرون بأن الله بكل شيء عليم؟ هل تقرون بأن الله عالم بكل شيء؛ لأن الله علام الغيوب، وأن الله يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون؟ هل تقرون بسعة علم الله تعالى؟ فإن أقروا خُصموا، فإن العلم بالتفاصيل داخل في ذلك، وإن جحدوا كفروا، وذلك لأنهم إذا جحدوا علم الله تعالى لزمهم أن يصفوه بالعجز وبالجهل، وبأنه يكون في الوجود ما لا يريد، فيلزم من ذلك التنقص، ولا شك أنه إنكار للأدلة، فيكونون بذلك كفاراً جاحدين لصفات الله تعالى.
وقد أقر الأشعرية بوصف الله تعالى بأنه بكل شيء عليم، ولكنهم أنكروا بعض الصفات الفعلية، أما المعتزلة فأنكروا صفة العلم لله سبحانه وتعالى، ووصفوه بأنه لا يجهل؛ هكذا في معتقداتهم!