نعم هذا الاعتراض كثيراً ما يردده العصاة ويقولون إذا نصحناهم عن المعصية: إن الله ما هدانا، إن الله قدر هذا علينا، لو أنه هدانا لما خرجنا عن الطاعة، نتوقف حتى يهدينا الله، فيستمرون في المعاصي ويحتجون بمثل هذه الحجج.
ويقول بعضهم: كيف يقدر علينا أن نكفر أو نفسق أو نعصي، ثم مع ذلك يعاقبنا ويعذبنا، لو كان يعذب على ذلك ما قدره ولا أوجده ولا أراده كوناً وقدراً! فدائماً يحتجون بهذه الأمور المقدرة، ونقول: صحيح أن الله أرادها كوناً وأنه قدرها، وأنه لو شاء لما حصلت، ولكن لا يلزم من إرادته لبعضها أنه يحبها، فهو أراد الكفر كوناً وهو يكرهه ويكره أهله شرعاً، وأراد الطاعات وهو يحبها وإن لم تحصل من البعض، فالكائنات التي أرادها وقدرها وخلقها حتى ولو كانت كفراً ومعصية وبدعة ونحو ذلك، ولكن هذه الإرادة لغرض خفي، قد لا نتفطن له.
وفي كلام الشارح أن المرادات إما أن تكون مرادة لنفسها وإما أن تكون مرادة لغيرها، فالإيمان، الطاعة، السنن، الصالحات، الحسنات، وسائر الطاعات مرادة لنفسها، أرادها الله من المؤمنين وحصلت لأنه يحبها، وأما المعاصي فإنه أرادها ولكن لغيرها ولم يردها لذاتها، وإنما أرادها لمصلحة قد تظهر وقد تخفى على البعض.
وقد ذكر الشارح بعض الحكم في إيجاد هذه المخلوقات الشريرة، وكذلك في إيجاد المعاصي وإرادة المعاصي، وتقدير الكفر والبدع وفشوها وانتشارها وما أشبه ذلك، فمن ذلك أنه شاء هذه الأشياء كوناً وقدرها حتى يمتحن ويبتلي عباده المؤمنين بمجاهدتها وببغضها وببغض أهلها، وبمعرفة ما يجب عليهم نحوها، فلو كان الناس كلهم مؤمنين ما حصل بغض في الله، ولو كان الناس كلهم مؤمنين ما حصل جهاد في سبيل الله، ولو كان الناس كلهم مؤمنين ما حصل البراء، وهو أن نتبرأ من الكفار ونحوهم.