الملائكة خلق الله تعالى، وقد سمعنا في كلام الشارح بعضاً من صفاتهم وما وكلوا به، الموكلون بالقطر يعني: بالمطر وتصريفه والسحب وتصريفها، وكذلك الموكلون بحفظ بني آدم كما في قول الله تعالى:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١] وكذلك الموكلون بحفظ الأعمال كما في قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨] ، وفي قوله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ}[الانفطار:١٠-١١] وكذلك الذين ينزلون بالوحي ذكروا في قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:١٥-١٦] وصفهم بأنهم سفرة يعني: بأنهم وسطاء بين الله وبين رسله، وأنهم كرام، وأنهم بررة، وكذلك أقسم الله بهم في قوله تعالى:{وَالصَّافَّاتِ صَفّاً}[الصافات:١] يعني: الملائكة الذين يصفون صفوفاً {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً}[الصافات:٢] الذين يزجرون السحب ونحوها، {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً}[الصافات:٣] الذين يتلون كلام الله ويذكرون الله تعالى به.
وقوله:{وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً}[المرسلات:١] ، هم الذين يرسلهم الله تعالى ليعرفوا عباده، والآيات التي بعدها، وقوله:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً}[النازعات:١] ، النازعات: هي التي تنزع أرواح الكفار نزعاً شديداً يعني: عند الموت، وهم ملائكة العذاب، والناشطات: هي التي تنشط أرواح المؤمنين عند الموت نشطاً، وهكذا في الآيات التي بعدها، لا شك أن هذه ألقاب تبين أنواعاً من الملائكة هذه أعمالهم، فنصدق بهم وإن لم نر الملائكة، ولكن نصدق أنهم خلق الله تعالى، كما أننا نصدق بالجن وبأنهم يدخلون في الإنس ويداخلونهم، وأنهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها، وإن لم نر الجن، وإن كذب بهم من كذب وقال: الجن لو كانوا موجودين لرأيناهم بالمجهر، نقول: إنهم لا يرون، فإنهم بمنزلة شعاع النور الذي يشع من هذه الأنوار ونحوها وليس لهم جرم، ولكن يخرقهم البصر، فليس لهم جسد حقيقي حتى ينعكس وحتى يكبره المكبر وحتى يراه البصر، فالملائكة والجن والشياطين أرواح ليس لهم أجساد تقوم بها، الإنسان مركب من روح وجسد، فإذا خرجت الروح بالموت فإننا لا نرى الروح تخرج وتفارق جسدها، بل يبقى الجسد ليس فيه هذه الروح التي تحركه، فإذا أراد الله تعالى إحياءه جمع الجسد مرة ثانية وأعاد إليه الروح فعاش وحيي، فنقول: إن الروح التي يحيا بها الجسد لا يعلم كيفيتها، قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}[الإسراء:٨٥] فالأرواح التي ليست لها أجساد تعيش وتتقلب وتذهب وتجيء وهي خفيفة الحركة كالملائكة وكالجن الذين ذكر الله تعالى أنهم يصلون إلى السماء كما في قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ}[الجن:٨] فلا يستغرب أن تكون الملائكة يصعدون إلى السماء في طرفة عين، ويقطعون المسافات الطويلة في لحظة؛ وذلك لخفة أجسادهم؛ ولأن الله تعالى أعطاهم من القدرة على الصعود وعلى قطع المسافات ما لم يعطه الإنسان في أية حال، فعلى المسلم أن يصدق بمثل هذه الأمور وإن كان لم يدركها ببصره؛ وذلك لإخبار الله عنها وهو الصادق المصدوق:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً}[النساء:١٢٢] .