[وجه العموم والخصوص بين الإسلام والإيمان والإحسان]
مراتب الدين ثلاث؛ المرتبة العليا: هي الإحسان، والمرتبة الوسطى: هي الإيمان، والمرتبة الدنيا: هي الإسلام، فأهل الإسلام أكثر من أهل الإيمان؛ لأنهم يوجد فيهم من هو مسلم ظاهراً وليس بمسلم باطناً، يصلون وقلوبهم لم تطمئن بالإيمان.
وأهل الإيمان أقل من أهل الإسلام؛ لأنهم خلاصتهم وصفوتهم.
وأهل الإحسان هم خلاصة الخلاصة، وصفوة الصفوة، بمعنى: أنهم أهل الإيمان القوي الذين بلغت بهم القوة إلى أنهم يتقنون كل عمل، فإذا صلوا أتقنوا الصلاة ولم يغفلوا فيها ولم يحدثوا أنفسهم، وإذا دخل وقت نافلة لم يضيعوها إلا بعمل ما يحبون وما يريدون، وهكذا بقية أعمالهم، وكذلك يحملهم استحضارهم لربهم على ألا يعصوه طرفة عين، فيكون ذلك كله سبباً لإتقانهم العمل.
فلذلك يقال: إن الإسلام أعم من جهة أهله -أي أن أهله أكثر من أهل الإيمان- وأخص من جهة وصفه، حيث إنه إنما يدخل فيه أهل الأعمال الظاهرة، فالمسلمون أعمالهم أقل من أعمال المؤمنين، ولكنهم أكثر عدداً، فيدخل فيهم المؤمنون ويدخل فيهم المسلمون الذين ليسوا بمؤمنين، هذا معنى كونه أعم من جهة أهله، وأخص من جهة وصفه، يعني: أعمال المسلمين أقل من أعمال أهل الإيمان.
كذلك يقال: أهل الإيمان أكثر أعمالاً؛ لأنهم آمنوا بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين والقدر، وصلوا وصاموا، وحجوا واجتهدوا، وتشهدوا وذكروا الله، وأما أهل الإسلام فهم أقل أعمالاً، وصفهم إنما هو: الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج، يعني: الأعمال الظاهرة، فهم أقل أعمالاً، هذا معنى كونه أقل من جهة وصفه، وأكثر من جهة أهله.
كذلك نقول: أهل الإحسان أقل من أهل الإيمان، فأهل الإيمان أكثر من أهل الإحسان، يعني: أكثر من جهة أهله، وأقل من جهة وصفه -من الإحسان-؛ وذلك لأن أهل الإحسان جمعوا الخصال الثلاث فأصبحوا مؤمنين مسلمين محسنين، فهم جمعوا بين الإتقان للعمل، وبين العبادة لله كأنهم يرونه، وبين مراقبته، وبين الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر، والصلاة، والصوم، والحج، جمعوا الأعمال كلها، وتركوا السيئات وابتعدوا عن الآثام، فهم أكثر من جهة الوصف، ولكنهم أقل من أهل الإيمان.
فأهل الإحسان أقل من أهل الإيمان، وأهل الإيمان أقل من أهل الإسلام، ولكن أهل الإسلام أقل أعمالاً من أهل الإيمان، وأهل الإيمان أقل أعمالاً من أهل الإحسان، هذا معنى كونهم أقل من كذا وأكثر من كذا.
ومثل الشارح ذلك بالنبوة والرسالة، بمعنى أن الأنبياء أكثر من الرسل، ولكن هم أقل مسئولية، وأقل عملاً من الرسل، فإن الرسل عليهم أعمال ليست على الأنبياء، ولكن الرسل أقل عدداً، فليس كل نبي رسولاً، فالرسالة أقل من جهة أهلها، وأكثر من جهة وصفها، فإن النبي هو الذي أوحي إليه، وهو الذي أمر بالتبليغ، وهو الذي دعا، وهو الذي كُذِّب، وهو الذي عودي وأوذي، فهو أكثر عملاً، والرسل أقل عدداً من الأنبياء، فالأنبياء أكثر من جهة الأهل، وأقل من جهة الوصف، يعني من جهة الأعمال، فهذا تمثيل بالنبوة وبالرسالة، وكذلك أهل الإيمان وأهل الإحسان وأهل الإسلام.
فإذا عرفنا أن هذه كلها من الأعمال الشرعية فالإنسان يحرص على أن يجمع بينها كلها، فيحرص على أن يأتي بالأعمال الظاهرة -وهي أركان الإسلام-، ويحقق الأعمال الباطنة -وهي أركان الإيمان-، ويحرص -أيضاً- على الأعمال الغيبية حتى يكون من أهل مرتبة الإحسان، فيجمع بين المراتب كلها.
ومعلوم -أيضاً- أن المسلم إذا تسمى بأنه مسلم، ودخل في الإسلام؛ أصبح ملزماً بأمور يعتقدها، تسمى عقائد، وأصبح ملزماً بأعمال يعملها، وبأقوال يقولها، وكلها داخلة في الدين، ولأجل ذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء كلها من الدين في قوله: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ، فجعل الإسلام والإيمان والإحسان كله من الدين الذي بعث الله به هذا، وسماه دين الإسلام في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] .