فأما قول غلاة الصابئة والفلاسفة ونحوهم: إنه ما يفيض من العقل الفياض، فالعقل الفياض عندهم كأنه عبارة عن الخالق، وما يفيض عنه: بمعنى: ما يقع في النفوس أو تتحرك به العقول.
يسمى ذلك فيضاً من العقل الفياض، فعندهم -على هذا- أن كل شيء في الوجود من قول الله ومن كلامه، ولهذا طبق ذلك أهل الاتحاد؛ حيث يقول قائلهم: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وهذا من أمحل المحال وأبطل الباطل؛ لأنه يلزم منه أن يكون كلام الكفار كلام الله، وكلام الإلحاد وكلام الكفر والزندقة والنفاق ونحو ذلك عند هؤلاء كلام الله.
وأما قول المعتزلة: إنه مخلوق، وإن الله خلقه كما خلق البشر وكما خلق حركات البشر، فهذا قول باطل ستأتي مناقشته.
وأما قول ابن كلاب وكذلك الأشعرية ونحوهم: إنه معنى واحد قائم بنفسه، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة إلى آخره، فهذا أيضاً قول باطل، وذلك لأنه يلزم منه أن يكون معنى التوراة هو معنى القرآن، ومعنى القرآن هو معنى الإنجيل ليس بينهما فرق، وهذا معلوم بطلانه، فإن في التوراة أحكاماً ومواعظ لم ترد في القرآن بلفظها، وكذلك في التوراة أشياء ليست في الإنجيل، وفي الإنجيل أشياء ليست في التوراة، وهذا دليل على بطلان قول الذين يدعون أنه معنى واحد قائم بذات الله تعالى.
وأما الأقوال الأخرى كالذين يدعون أنه أزلي، فحروفه أصوات أزلية -أي: قديمة- فمقتضى ذلك أن الله لا يتكلم الآن، وأنه تكلم في وقت ثم انقطع من الكلام، تعالى الله عن ذلك وأشباهه من الأقوال.
فالحاصل أنا نعتقد أن هذا القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وحي من الله، وتلاه المسلمون، وقرءوه وتعبدوا بتلاوته، وصدقوا بأنه قول الله ليس قول البشر.
ونعتقد أن هذا كلام الله حقاً ليس كلام غيره، ويأتينا مناقشة أقوال المخالفين.