[كذب مدعي النبوة بعده صلى الله عليه وسلم]
وكل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فإنه كذاب مهما كان، وفي الحديث الذي سبق أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي بعده ثلاثون كذاباً كلهم يزعم أنه نبي، ولكن سماهم كذابين، وهو عليه السلام آخر الأنبياء وخاتم الرسل.
وقد ذكر بعض العلماء أنه خرج من هؤلاء الثلاثين عدد كثير، فقيل: إنه خرج منهم سبعة وعشرون أو ثمانية وعشرون.
يعني: ما بقي إلا واحد أو اثنان، أي أن آخرهم المسيح الدجال الكذاب.
ومراده أن من هؤلاء الثلاثين من يأتي بشبهات ويصدقه بعض العوام، ويقع بسببه فتنة، ويغتر وينخدع به أناس، ويكون له أتباع ومن يؤيده وينتصر له، ومن آخر من خرج أو تنبأ في هذه القرون غلام أحمد القادياني الذي ادعى أنه نبي، وادعى أنه يأتيه الوحي في البلاد الشرقية في الهند، وقد عظمت الفتنة به وانتشر أتباعه وسموا بالقاديانية، ولا يزالون متمكنين إلى هذا اليوم، ولا يزال العلماء يضللونهم ويردون عليهم ويبدعونهم ويبينون ضلالاتهم وأكاذيبهم، ومع ذلك لا يزالون منتشرين، مع أن دعوى ذلك الذي ادعى لنفسه أنه يأتيه الوحي لا شك أنها دعوى باطلة يكذبها أدنى من يتأمل بعقل وبأدنى معرفة.
وقبله وقبله ولكن قد يجد من يتتبع التاريخ عدداً كثيراً قد يزيدون على المئات يدعون أنهم يأتيهم الوحي وأنهم أنبياء، حتى في زماننا هذا في الوقت القريب قد جاء أكثر من عشرة كلهم يدعون ذلك، ولكن غالب ذلك عن نقص في العقل، وعن وسواس يجعل في الرأس يخلف فكرة الإنسان، وعن وساوس شيطانية يخيل بها إلى ذلك الإنسان المدعي هذه الدعوى ويزين له الشيطان، ولا ينخدع الناس به ولا يعملون بقوله.
وقد وقع هذا في القرون المتقدمة كثيراً، فإخباره أنه يخرج في أمته ثلاثون كذاباً يدعون أنهم أنبياء المراد به من لهم شبهات، ومن لهم قوة يتمكنون بها ويتبعهم فئام من الناس، وليس المراد كل من ادعى أنه نبي، ولكن من انخدع به ومن اغتر بمقالته.
وعلى كل حال فالأدلة واضحة بأن محمداً عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والرسل، ولا عبرة بمن جاء بعده وادعى ذلك، كما ذكر أن رجلاً سمى نفسه (لا) ، وادعى أنه نبي، وقال: إن محمداً يقول: (لا نبي بعدي) ، يعني: الشخص الذي اسمه (لا) نبي بعدي، ويرد عليه بالآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] .
وهكذا ذكروا في زمن قريب أن امرأة ادعت أنها نبية، وقالت: إن محمداً يقول: (لا نبي بعدي) ولم يقل: لا نبية بعدي.
ولا شك أن الرسالة جاءت في الرجال، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف:١٠٩] ، ولم يبعث الله النبوة إلا في الرجال، والصحيح أن مريم ابنة عمران إنما هي صديقة كما قال تعالى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} [المائدة:٧٥] لم تصل إلى درجة النبوة ولم ينزل عليها الوحي، والوحي الذي أنزل على أمها إنما هو وحي إلهام، وكذلك الوحي الذي أنزل على أم موسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص:٧] هذا وحي إلهام.
وعلى كل حال فنبوة محمد هي آخر النبوات، وشريعته هي آخر الشرائع، والمتمسك بها -إن شاء الله- على سبيل النجاة.