للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قرب قيام الساعة]

وذكر أيضاً الآيات التي فيها ما يدل على قرب قيام الساعة، وقد يقول قائل: قد مضى مئات السنين بعد نزول هذه الآيات، مضى أربعة عشر قرناً وبعض قرن، فكيف يقال: إنها قريب؟ الله تعالى ذكر أنها قريب في قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:٦٣] ، {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف:١٨٧] ، يعني: استعدوا لها فإنها تأتي على حين غفلة وبغتة، فلابد أن تأتي، فلما كنتم مؤمنين بها وأنها تأتي فكونوا على أهبة في كل لحظة، وفي كل وقت، ترقبوا أن تأتي الساعة في ذلك اليوم أو في تلك الليلة.

يقول الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} [النازعات:٤٢-٤٤] ، يعني: علمها، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:٤٥-٤٦] ، وفي آية أخرى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف:٣٥] ، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار، فالآيات التي ذكر الله فيها أنها قريبة: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ} [القمر:١] ، {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:١] ، {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١] ، تدل على أنها قريبة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها قريبة وأن الناس عليهم أن ينتظروها، بقوله: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) ، (إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة) ، فإذا رأينا أماراتها وأشراطها، فإننا ننتظر أن تأتي الساعة بغتة ليأتي أمر الله.

وأولها: أن ينفخ في الصور نفخة الفزع ونفخة الصعق: وهي نفخة واحدة، ثم بعدها تموت الأجساد وتفنى، ثم ينفخ فيه نفخة أخرى هي نفخة البعث والقيام من القبور، فيبعث الناس ويجتمعون في دار الجزاء، وليس دون ذلك إلا أيام قليلة.

فالمسلم يكون متأهباً لذلك، حتى إذا جاءه أمر الله يكون على أهبة، وقد أعد للساعة عدتها، وقد عمل عملاً صالحاً يكون سبباً في نجاته، كما كان كثير من السلف -رحمهم الله- يهتمون بالآخرة، حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت هذا اليوم، لم يستطع أن يزيد في عمله، يعني: قد بلغ أقصى ما يمكنه من العمل ومن الاجتهاد في الأعمال الصالحة، بحيث إنه يترقب الموت في كل حالة، ويمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ، وقول ابن عمر رضي الله عنه: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) يعني: ترقب الموت بينك وبين الصباح أو بينك وبين المساء، مخافة أن يأتيك أمر الله، ومن مات فقد قامت قيامته.