[الإيمان والإسلام والإحسان وضدها مسميات شرعية]
قد عرفنا أن من عقيدة المسلمين الإيمان، وأركانه ستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الإيمان تدخل فيه الأعمال، فهي من مسمى الإيمان، ولأجل ذلك يقوى الإيمان ويضعف، ويزيد وينقص، فيزيد بسبب زيادة الأعمال وينقص بسبب نقص الأعمال، أو بسبب ارتكاب الذنوب، وذلك مما يحمل المسلم على أن يتعاهد إيمانه بالزيادة ويحذر من النقصان، لأنه إذا تغافل وصار ينقص إيمانه شيئاً فشيئاً لم يأمن أن يضعف، وإذا ضعف لم يكن زاجراً له عن اقتراف السيئات، ولم يكن دافعاً له إلى التكاثر من الحسنات.
كذلك قد يصير ضعف الإيمان سبباً لأن يقوى ضده، وهو الكفر أو الذنب أو المعصية، فإنه كلما قوي الإيمان ضعفت دوافع الكفر والفسوق والمعاصي، وكلما ضعف الإيمان قويت أضداده، فيحرص المسلم على أن يجدد هذا الإيمان، وأن يكون مجداً مجتهداً في الحرص على تقوية إيمانه، وعلى البعد عن الأسباب التي تضعفه.
وقد بين العلماء مسمى هذه الأشياء، وذلك لأنها مسميات شرعية، فالإيمان وإن كان أصله لغوياً ولكنه أصبح مسمى شرعياً، استعمله الشرع في الانقياد لأوامر الله تعالى واتباع ما جاء عنه، واستعمله في تكميل هذا الاتباع بامتثال الطاعات وترك المحرمات، فأصبح مسمى شرعياً.
كذلك الإسلام مسمى شرعي وإن كان أصله في اللغة: أنه الإذعان والاستسلام، ولكنه أصبح اسماً شرعياً يراد به الدخول في هذا الدين والانتماء إليه والالتزام بتعاليمه، فهو مسمى شرعي بعد أن كان لغوياً.
كذلك الإحسان مسمى شرعي، وقد بينه النبي عليه الصلاة والسلام ووصف أهله وقسمهم، فأصبح هذا الاسم مسمى شرعياً.
فالإسلام والإيمان والإحسان، وكذلك أضدادها؛ مسميات شرعية؛ فالكفر مسمى شرعي وإن كان أصله في اللغة الستر التغطية والشرك مسمىً شرعي وإن كان أصله في اللغة: الاشتراك في شيئين أو التشريك بين اثنين.
والنفاق مسمىً شرعي وإن كان له أصل في اللغة، ولكنه أصبح مستعملاً في هذا الاستعمال الشرعي.
فهذه الأشياء جاءت الشرعية باستعمالها، فمنها ما هو مأمور به: كالإسلام والإيمان والإحسان والدين والاستقامة وما أشبهها، ومنها ما هو منهي عنه ومحذر منه: كالكفر والشرك والنفاق والسيئات والخطايا والذنوب وما أشبهها، فهذه مسميات شرعية، ودخولها في العقيدة من حيث إن على المسلم أن يعتقد تقبل ما جاءت به الشريعة قبولاً كلياً فيقول: هذا الإسلام تضمنته هذه الشريعة فأنا أدين بالإسلام، سواء فيما يتعلق بالعقائد أو ما يتعلق بالأعمال، فيدين لله تعالى به، ويعتقد أنه سفينة النجاة، وأنه سبيل الوصول إلى السلامة، فيعتقد صحته وسلامة من سار عليه، ويعتقد خطأ من ضل عنه وابتعد عنه، أو أخذ منه بعضاً دون بعض، فهذا وجه دخوله في العقيدة.
أما أركان الإسلام فهي مشهورة، ولم يدخلوها في العقيدة ما عدا الركن الأساسي الذي هو الشهادتان، فإنهما أساس العقيدة وأساس التوحيد، بخلاف الأركان العملية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أشبهها، فهذه من الأعمال فجعلوها من الفروع، ولكن هي في الحقيقة من العقيدة لأنها أسس للعقيدة، ولأن إنكارها إنكار لشيء معلوم من الدين بالضرورة، فيخرج المنكر له من الملة ويدخل في الكفر والعياذ بالله، وذلك لأنها لما كانت أدلتها واضحة، والمسلمون تلقوها بالقبول؛ لم يكن هناك مجال لإنكارها.
ولو وجد من ينكرها، فإن أولئك الذين أنكروها قد خالفوا المعقول والمنقول، وكذلك الذين تأولوها كالفلاسفة وبعض الصوفية الذين قالوا إن الصلاة ليست هي هذه الأفعال، إنما المراد بها اتصال القلب بالرب، وفسروا الحج بأنه حج القلوب إلى علام الغيوب وأسقطوا بذلك هذه الأركان الظاهرة التي تعلمها المسلمون من نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولكن نفرة المسلمين من هذه الأقوال واستبشاعهم لها أوجب أنها لا تذكر في العقائد، فاقتصر أهل العقائد على أركان الإيمان الستة، وأصلها كما تقدم وتكرر أصلان: الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، فإذا اجتمع هذان تبعتهما بقية الأركان، ولكنهم فصلوا في كثير منها وأجملوا في بعض منها لقلة الخلاف، وإذا حققها المسلم أصبح من أهل العقيدة السليمة، وأصبح من أهل الاستقامة الذين هم على سبيل النجاة.