وقد ذكر الله أنه أرسل رسلاً من قبلنا، وأبقى آيات تدل على صدقهم، فقال تعالى:{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[الصافات:١٣٧-١٣٨] يعني: أماكنهم وآثارهم.
وقال تعالى:{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}[النمل:٥٢] ، وقال في آية أخرى:{فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ}[القصص:٥٨] يعني أنهم أهلكوا وبقيت آثارهم، فتلك دلالة على أنه هلك قبلنا أمم كذبت، وأرسل إليها رسل، ونزلت عليها العقوبة، ونجى الله الرسل ومن آمن بهم، وأهلك المكذبين، وذكر الله أن من أولهم نوحاً عليه السلام، وأنه أنجاه في السفينة، فقال تعالى:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[العنكبوت:١٥] يعني: أبقينا تلك السفينة تذكيراً وعبرة للناس إلى يوم الدين، يتذكرون بها تلك السفينة التي نجى فيها من آمن، وغرق من لم يؤمن.
ويذكر أنا نعلم يقيناً بأنه وجد في الأرض أنبياء جاءوا برسالات، فصدقهم من صدقهم ممن أراد الله هدايته، وكذبهم من كذبهم ممن كتب الله عليهم الشقاوة.
فنجى الله الأنبياء ومن آمن بهم، وأهلك الله المكذبين وانتقم منهم، نعلم ذلك يقيناً، ولو لم يقصه الله علينا.
فقص الله علينا قصة نوح وقصة هود وقصة إبراهيم وعاد وثمود وقوم شعيب وأصحاب الأيكة، وقصة فرعون، قص الله هذه القصص، وذكر الشارح أن الله تعالى أمر بالاعتبار بها، فبعد قصة موسى قال:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) ، وهكذا بعد قصة إبراهيم وقصة نوح، إلى آخر القصص في سورة الشعراء يقول:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) يعني: لعبرة وموعظة.
فالحاصل أنا نعلم يقيناً بأن الله تعالى أرسل رسلاً، وأن أولئك الرسل مرسلون من الله، وأنه تعالى أيدهم بالمعجزات التي أجراها على أيديهم، وأعجزت البشر، وأعجزت أهل زمانهم، وحاولوا أن يعارضوها كما حكى الله عن فرعون لما رأى تلك الآيات مع موسى فاعتبرها سحراً، فجاء بالسحرة الذين ألقوا حبالهم وعصيهم، فخيل إلى موسى أنها تسعى، ولكن لما ألقى عصاه التقمت ذلك كله، فعرف السحرة أن هذا ليس سحراً، وأنه من الله تعالى؛ فآمنوا واستجابوا لذلك، فعند ذلك بطش بهم وقال:{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}[طه:٧١] .
فهؤلاء لما كانوا ذوي معرفة بالسحر وعرفوا أن هذا لا يشبهه آمنوا.
فالحاصل أنا نعلم يقيناً أن أنبياء الله تعالى صادقون فيما بلغوه، وأنهم جاءوا بالشرائع الإلهية التي منها الشريعة المحمدية وأنها والشرائع التي قبلها كلها متفقة على أصل واحد، وهو العقيدة والتوحيد، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:٣٦] أي: كل منهم جاء بهذه الرسالة، وإنما تنوعت الشرائع في الأوامر والنواهي.
فإذاً المسلم يعتقد صحة الرسالة، وأن الرسل صادقون، وذلك ركن من أركان الإيمان.