يقول الإمام أحمد رحمه الله: ليس في نفسي من المسح على الخفين شيء، فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من الأحاديث الصحيحة التي لا توقف فيها ولا ارتياب.
وهناك أحاديث كثيرة قد يكون فيها مقال، ولكن يستدل بها أيضاً، وقد أوصلها بعضهم إلى ستة وخمسين حديثاً كما في نصب الراية، قال الحسن البصري رحمه الله -وهو أحد كبار التابعين-: حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين وأمر به، فما دام أنها سنة ثابتة متواترة مشهورة ليس فيها اختلاف، وليس في ثبوتها تردد، فكيف -مع ذلك- ينكرها هؤلاء الرافضة؟! لا شك أن سبب إنكارهم هو أن الذين قالوا بها من أهل السنة، وهم يردون على أهل السنة، ولا يقبلون شيئاً مما جاء به السنيون، وهذا موجود إلى الآن، حدثني أحد المدرسين في الأحساء، في مدرسة متوسطة فيها من أولاد الشيعة وأولاد أهل السنة، يقول: ألقيت عليهم اختباراً شهرياً، وهو ما يسمى: بأعمال السنة، ولما ألقيته اخترت مسائل في المسح على الخفين، فكانت أجوبتهم على ما في الكتب، ولكن في النهاية قال له أحدهم: اعلم أيها المدرس أني أجبتك على ما في الكتاب، وإلا فأنا لا أقول بهذا، ولا أعتقده، ولا أصدقه، ولو قلتم ما قلتم يا أهل السنة، فلن نذهب إلى مذهبكم ولا نقبل منكم! مع أنه طالب لا يزال في المتوسطة! ويتلقى العلوم عن مدرسين من أهل السنة! ولكن لما كان الذين يلقنونهم عقيدتهم على تلك العقيدة، لم يتقبلوا حتى هذه المسألة الفرعية، التي هي من فروع المسائل؛ وذلك لأن الذين نقلوها من الصحابة الذين يطعن فيهم الرافضة، فالرافضة لا يقبلون كلام أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا طلحة والزبير، ولا عبد الرحمن بن عوف، ولا أبي عبيدة، ولا غيرهم من أكابر الصحابة، ولا رواية أبي هريرة ولا عائشة ولا حفصة، لا يقبلون رواية أولئك؛ لأنهم يعتقدون أنهم كفار! فردوا هذا كلياً، ولم يقبلوا أحاديث المسح على الخفين أصلاً.
هذا قولهم في المسح على الخفين، أما أهل السنة فيقولون: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي علمنا الشريعة، وتلقينا عنه علومها، تلقينا عنه الصلاة وكيفيتها وعددها، ولم يكن ذلك مبيناً في القرآن، من الذي أخبرنا أن صلاة الظهر أربعاً إلا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ من الذي أخبرنا أن صلاة الفجر ركعتان، وصلاة المغرب ثلاث ركعات؟ من الذي أخبرنا أن في كل ركعة سجدتان، وأن في كل سجدة دعاء كذا وكذا؟ لا شك أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علمنا صفة الصلاة، وعلمنا الطهارة وكيفيتها، وكيفية الغسل وموجباته وما أشبه ذلك.
وما دام أنه الذي علمنا ذلك فهو الذي علمنا سنة المسح على الخفين، ونقلها عنه صحابته الذين نثق بهم، والذين نعرف أنهم صحبوه مدة طويلة، وأنهم أخذوا عنه العلوم الشرعية، فنقلوا عنه العلوم الشرعية الفرعية والأصولية نقلاً تاماً، وتثبتوا في نقلها، فلا يتهمون بكذب، ولا يتهمون بنقص ولا زيادة ولا خيانة، فما داموا كذلك فكيف تتوجه إليهم التهم؟ فنحن نقبل هذه السنة كما قبلنا بقية السنن، فما الفرق؟! إذا كنا قبلنا ما نقلوه في العقيدة فكذلك نقبل ما نقلوه في الأحكام، وما نقلوه في الفروع، فهي سنة ثابتة متواترة لا شك فيها عند أهل السنة.