الساحر قد تعاطى الكفر، وقد سمعتم أعمال الكهنة والسحرة، وهي تدل على أنهم مشركون كفرة، فهم يتقربون إلى الشياطين بما تحب حتى تبطل عملها؛ فلأجل ذلك تخدمهم هذه الشياطين، فمنهم من لا تخدمه الشياطين حتى يترك الصلاة مدة؛ لأنه إذا تركها أصبح كافراً، فعند ذلك تحبه الشياطين، وتقترب منه، وتتولاه وتخدمه وتفعل له ما يريده، وتتكلم على لسانه، وتسترسل له حيث ما استرسل، ويستخدم منها ما يريد، فيستخدم منها مائة أو ألفاً أو نحو ذلك، ويكونون تحت طوع إشارته بسبب كونه تسلط عليهم بهذه الأمور التي استولى بها عليهم، وما فعل ذلك إلا بعدما كفر بالله، وآخرون من الكهنة أو السحرة لا تخدمهم الشياطين حتى يذبحوا لها قرابين، والشيطان يقنع ولو باليسير، ولو يذبحون له ذباباً تعظيماً له، أو عصفوراً، أو ديكاً، أو كبشاً، أو تيساً، أو نحو ذلك، فكل ذلك يقنع به الشيطان، ويكون ذلك سبباً لأن يخدمه؛ وذلك لأنه عرف أن هذا الساحر أو الكاهن أصبح مشركاً؛ لأنه أشرك بالله، فلما أشرك بالله خدمه الشيطان.
وكثير من السحرة والكهنة يستدعون الشياطين، ويسألونهم عن أسمائهم، فيحفظ أسماءهم، فلان الجان، وفلان الشيطان، وبعد ذلك يهتف بأسمائهم، ويناديهم في أوقات فراغه، حتى إذا ألفوه، وعرفوا أنهم من أوليائه؛ صاروا طوع إشارته، فيخبرونه بما يريد، ويسترقون له السمع، وينزلون عليه، ويلابسونه، ويتكلمون على لسانه، ويخبرونه بالأمور الغيبية التي لا يعرفها الناس، وما أشبه ذلك.
وآخرون من الكهنة أو السحرة لا تخدمهم الشياطين حتى يلابسوا النجاسات؛ وذلك لأن الشياطين تألف الأقذار، وتألف النجاسات، وتألف المستقذرات ونحوها؛ فلأجل ذلك أمرنا إذا دخلنا بيوت الخلاء أن نتعوذ بالله من شر الخبث والخبائث أي: ذكران الشياطين وإناثهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(استتروا من البول فإن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم) فالأماكن التي لا يذكر فيها الله مثل بيوت الخلاء تألفها الشياطين، فأولئك السحرة قد يلطخون أجسامهم وثيابهم بالنجاسات، وبالقاذورات، وبالعذرة، حتى تأتيهم الشياطين التي تحب هذه النجاسات، وتكون في خدمتهم، ثم توحي إليهم بأن يفعلوا كذا، ويفعلوا كذا، فمتى فعلوا هذه الأشياء أطاعتهم وخدمتهم وصارت في ولايتهم.
فمثل هؤلاء لا شك أنهم كفار؛ لأنهم عبدوا غير الله تعالى، وقد أخبر الله بكفرهم في قوله تعالى:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}[البقرة:١٠٢] ، فجعل تعليم السحر كفراً، وجعله من عمل الشياطين، وأخبر عن الذين يعلمونه كهاروت وماروت {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ}[البقرة:١٠٢] ، فأفاد أن كل من تعلم السحر فإنه يحكم بكفره؛ ولأجل ذلك يقول العلماء: إذا عثر على ساحر، فإن الصحيح أنه يقتل ولا يستتاب؛ وذلك لأنا لا نعلم حقيقة توبته، فقد يقول الساحر والكاهن: إني تبت، ولكن قلبه مضمر على ما هو عليه من العمل، وشياطينه الذين يخدمونه ملازمين له، لا ينفكون عنه، فإذن هو في الحقيقة كافر.
ومن بعض أفعال هؤلاء الكهنة وخدمة الشياطين أنهم يحملون الإنسان من مكان بعيد، ويقطعون به المسافات الطويلة، أو يأتونه مثلاً بعسيب نخل فيقولون له: اركب على هذا العسيب، والعسيب لا يحمل شيئاً، فيطيرون به على العسيب إلى أن يبلغ المكان الذي يريد، وقد يكون مسيرة شهر أو أشهر! هل معقول أن الإنسان يركب العسيب وأن الكاهن يركبه؟ لا شك أن الذي يفعل ذلك هم الشياطين التي أجسامها أو أرواحها خفيفة، فتحمل هذا بسرعة، وتقطع به هذه المسافات، وهي لا تفعل ذلك إلا لأوليائها الذين صاروا من خدمها، فهؤلاء بلا شك خدم للشياطين، فعلينا أن نعرفهم ونبتعد عنهم، وأن نعرف أن كل من قرب منهم فإنه يعطى حكمهم.