نقول: لا شك أن هذه الأمراض التي ذكرنا لها أسباب، وقد ورد من أسباب أمراض القلوب: الشبهات والشهوات والتشكيكات وما أشبهها، وكلما عظمت تلك الشكوك تراكمت على القلب فحصل الزيغ والانحراف والميل عن الاستقامة، وكلما لان القلب وقبل الحق فإنه يلين ويتأثر، كما ذكر الله تعالى ذلك عن أوليائه المؤمنين بقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الزمر:٢٣] .
والقلب اللين: هو الذي إذا سمع موعظة تأثر، ومن علامة تأثره أنه يقبل على الله ويعرض عما سواه، ومن علامة تأثره -أيضاً- أنه يحدث فيه خشوع وخوف، ويحدث فيه زيادة في الطاعات وانصراف عن الآثام والمحرمات؛ فهذه من علامة لين القلب.
وكذلك أيضاً اطمئنانه إلى الخير، وقد ذكر الله ذلك في قوله تعالى:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨] ، فقلوب المؤمنين هي التي تطمئن بذكر الله وهي التي تلين لكلام الله، وأما قلوب الفسقة ونحوهم فإنها قاسية مقفلة لا يصل إليها الخير مهما تكلم الإنسان ومهما وعظ، كما وصفوا بأنهم:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}[البقرة:١٨] .
وعلى كل حال: فأسباب ذلك في هؤلاء المبتدعة هي الشبهات، فعلى العبد أولاً أن يكثر الاستعاذة بالله عز وجل من زيغ القلب، لقوله:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران:٨] ونحو ذلك من الأدعية، كذلك يتجنب تلك الشبهات التي تصل إلى القلب فتقسيه، كذلك يتجنب المعاصي التي لها تأثير أيضاً في القلوب ولها تأثير في إعراضها عن الحق وعدم تقبله.
وبعد أن عرفنا أن الأسباب في قسوة القلب هو هذه الشبهات، نقول: إن هذه الشبهات كثيراً ما يثيرها أولئك المشبهون الذين زاغت قلوبهم؛ فهم يثيرونها حتى يزيغوا غيرهم، فعلى الإنسان أن يحذر من شبهاتهم.
وشبهاتهم وتشكيكاتهم يشككون بها في قدرة الله عز وجل وفي آثار علمه ومعلوماته، ويشككون بها أيضاً في عذابه وفي ثوابه وما أشبه ذلك، فإذا عرف العبد أن هذه من تشكيكات الذين قست قلوبهم تجنبها حتى يبقى قلبه ليناً خاشعاً خاضعاً متواضعاً.
معلوم أيضاً أن هذه المواعظ ونحوها لها أثار على عباد الله، وأن العبد إذا قبلها استقام على الخير واستمر عليه وقبله، وإذا أكثر من حضور مجالس الذكر ومجالس العلماء ومجالس العباد، وقبل مناصحاتهم وإرشاداتهم تأثر بذلك أيضاً ولان قلبه؛ زيادة على ما يحصل له من كثرة العبادات وكثرة المعلومات؛ فإن السبب في أن قسماً من الناس لا يتأثرون بخير ولا يقبلون إرشاداً ولا نصحاً ولا غير ذلك، أنهم عاشوا على البعد عن الخير وعدم تقبله.
وقسم آخر إذا تكلم معهم إنسان بكلمة أو كلمتين لانت قلوبهم وخشعوا ودمعت أعينهم، وأقبلوا على الله وتابوا إليه وأنابوا؛ وسبب ذلك محبتهم للخير وإقبالهم عليه، فعلى العبد أن يكون من الذين يحبهم الله والذين يقبلونه ويقبلون كلامه.