الذي قتل عمر معروف مشهور، وهو غلام المغيرة، ويقال له: أبو لؤلؤة، وهو مجوسي غير مسلم، وكان صانعاً، يعني: كان له صناعة، يعمل الأرحاء، ويأخذ عليها أجراً معلوماً، وقد اتفق مع المغيرة على أن يؤدي إلى المغيرة كل يوم دراهم معدودة عن عمله، حيث قال له المغيرة: اعمل للناس بالأجرة، وأعطني كل يومٍ كذا وكذا درهماً، فكأنه تثاقل تلك الضريبة التي جعلها عليه المغيرة، فجاء إلى عمر، وقال له: أريد أن تشفع لي عند المغيرة حتى يخفف عني، ولكنه قال: أنت رجل صنّاع، وبيدك صنعة تعمل فيها، وهذه الأجرة التي ضربت عليك خفيفة، وليست ثقيلة، فغضب على عمر وقال: وسع عدله الأرض كلها إلا أنا، وفي بعض الروايات أنه قال له: أريد أن تصنع لنا رحى، فقال: لأصنعن لك رحىً يتحدث بها أهل المشرق والمغرب، ففطن عمر أنه أراد أن يقتله، ولكنه لم يأخذ حذره، وفي بعض الروايات أنه قال: يتوعدني العلج، أو يريد قتلي، فلما عزم على قتله صنع سكيناً ذات رأسين محددين، وسقاها سماً، ثم لما قام عمر رضي الله عنه لصلاة الصبح، وكان يسوّي الصفوف قبل أن يكبر، وكان إذا كبر أطال القراءة في الركعة الأولى، بحيث إنه تارة يقرأ في الركعة الأولى سورة يوسف أو سورة النحل، وهي أكثر من نصف الجزء، وقصده بذلك أن يجتمع الناس، وأن يدركوا الركعة الأولى، ولكنه ساعة ما كبر، ولم يبتدئ بعد بالقراءة، إذا هو يلتفت إلى من يليه ويقول: أكلني الكلب أو قتلني الكلب، ويعني بذلك هذا العلج الذي قتله، وقد طعنه ثلاثة طعنات في بطنه قطع بها أمعاءه، وبعد ذلك قام العلج في الناس يطعن فيهم، فطعن ثلاثة عشر من المصلين، مات منهم سبعة، ورآه بعض المصلين وهو يجول فيهم، فألقى عليه برنساً وضمه به، ووضعه على الأرض، ووطئ على ذلك البرنس، فعلم العجل أنه مقتول فقتل نفسه، ولما طعن عمر رضي الله عنه اجتذب عبد الرحمن فصلى بهم صلاة خفيفة، وكان الناس الذين حوله قد فطنوا أنه طعن لما سمعوا قوله: قتلني أو أكلني الكلب، وأما أهل الصفوف البعيدة وأطراف الصفوف فإنهم لم يشعروا بما حصل، لكنهم لما فقدوا صوت عمر، وسمعوا صوت عبد الرحمن، أخذوا يسبحون استنكاراً لما حصل، وبعدما صلوا صلاة خفيفة، سأل عمر رضي الله عنه ابن عباس: انظر من الذي قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء وقال: غلام المغيرة، فقال: الصنع؟ -أي: الذي بيده صنعة-، قال: نعم.
يعني: أنه مشهور بهذه الصنعة، ثم قال يخاطب ابن عباس: قد كنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج.
والعلوج هم النصارى والمجوس، يعني: الكفرة الذين هم مماليك، وكان العباس له مماليك كثيرون، وغالبهم ليسوا بمسلمين، ولكنهم أسلموا بعدما ملكوا، ولكن ابن عباس يقول: إن شئت فعلنا؟ -يعني: قتلناهم- ولكن عمر يقول: بعدما دخلوا بلادكم، وتكلموا بكلامكم، وصلوا إلى قبلتكم، وحجوا بيتكم.
يعني: قد فعلوا كما تفعلون، وكان يكره أن يأتي هؤلاء المماليك إلى هذه البلاد وهم على عاداتهم السيئة.