هذا هو المراد بكونه سبحانه لا يكون في الوجود إلا ما يريد؛ ولكن غلا في هذه الإرادة قوم ونفاها قوم، وتقابل الطرفان والطائفتان، فطائفة جبرية جعلوا كل الموجودات مخلوقة لله ولم يجعلوا للإنسان أي تصرف، بل جعلوه مجبوراً ليس له أي اختيار، وقالوا: إن عقوبته على المعاصي ظلم، حيث إنه مقسور ومجبور عليها؛ فهذه الطائفة هم الجبرية.
والطائفة الثانية التي قابلتهم: هم نفاة القدر أو نفاة قدرة الله، وهم الذي يقولون: ننزه الله عن الظلم فنقول: إنه لو خلق هذه المعاصي وعاقب عليها لكان ظالماً، فهذه الطائفة غلت في النفي فقالت: إن أعمال العباد ومعاصيهم وطاعاتهم ليست من خلق الله، بل من خلقهم ومن إيجادهم، وإن العباد هم الذي يوجدون أفعالهم، فهذه الطائفة غلت في النفي، وجعلت الإنسان يخلق فعله، ونفت أن يكون لله أي قدرة على أفعال العبد، وزعموا بذلك أنهم أهل العدل والتوحيد.
وكلا الطائفتين ضال؛ فالطائفة الأولى جعلت القدر عذراً للعصاة، حيث إنهم يقولون: كيف يخلقنا ويخلق فينا المعاصي ثم يعاقبنا عليها؟ والطائفة الثانية: جعلت مع الله من يخلق، وجعلت كل إنسان خالقاً مستقلاً بأفعاله، وكذبت الأدلة التي تثبت أن الأمر بيد الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء.