للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج أهل السنة في لزوم الجماعة وترك الفرقة]

قال الشارح رحمنا الله تعالى وإياه: [قوله: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً والفرقة زيغاً وعذاباً) : قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] .

وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥] .

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعَاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:١٥٩] وقال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٨-١١٩] ، فجعل أهل الرحمة مستثنَين من الاختلاف.

وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:١٧٦] .

وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الكتابَين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة -يعني: الأهواء- كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة.

وفي رواية: قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي) ، فبين أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة، وأن الاختلاف واقع لا محالة.

وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة الشاردة القاصية، فإياكم والشعاب! وعليكم بالجماعة، والعامة، والمسجد) .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابَاً مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام:٦٥] قال: (أعوذ بوجهك! {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:٦٥] قال: أعوذ بوجهك! {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعَاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:٦٥] قال: هذه أهون) ، فدل على أنه لا بد أن يلبسهم شيعاً، ويذيق بعضهم بأس بعض، مع براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحال، وهم فيها في جاهلية.

ولهذا قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا على أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية.

وقد روى مالك بإسناده الثابت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: (ترك الناس العمل بهذه الآية) يعني: قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩] ، فإن المسلمين لما اقتتلوا كان الواجب الإصلاح بينهم كما أمر الله تعالى، فلما لم يُعمل بذلك صارت فتنة وجاهلية.

وهكذا مسائل النزاع التي تتنازع فيها الأمة في الأصول والفروع -إذا لم ترد إلى الله والرسول- لم يتبين فيها الحق، بل يصير فيها المتنازعون على غير بينة من أمرهم، فإن رحمهم الله أقر بعضهم بعضاً، ولم يبغ بعضهم على بعض، كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الاجتهاد، فيقر بعضهم بعضاً، ولا يعتدي ولا يُعتدى عليه، وإن لم يُرحموا وقع بينهم الاختلاف المذموم، فبغى بعضهم على بعض، إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه، وإما بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله، والذين امتَحنوا الناس بخلق القرآن كانوا من هؤلاء، ابتدعوا بدعة، وكفَّروا مَن خالفهم فيها، واستحلوا منعَ حقه وعقوبتَه] .

هذا الكلام يتعلق بوقوع الاختلاف في هذه الأمة كما وقع في الأمم السابقة، ويجب على الأمة -أمة الإجابة والدعوة الاجتماع والائتلاف، يقول: إن الواجب على المسلمين جميعاً أن يأتلفوا ولا يختلفوا، وأن يكونوا إخوة كما سماهم الله تعالى.