من أنواع الأدلة على علو الله: رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، ولا شك أنها من المسائل التي اعترف بها أهل السنة، ووافق عليها الأشاعرة، ونفتها المعتزلة، ولكن موافقة الأشاعرة حجة عليهم، وهم مع ذلك لا يؤمنون بها إيماناً حقيقياً؛ وذلك لأنهم ينكرون مسألة العلو، ولما أنكروا العلو وجاءتهم الأدلة بأن المؤمنين يرون ربهم لم يجدوا بداً من أن يقولوا بالرؤية اتباعاً للأئمة الذين ينتسبون إليهم، ومن جملتهم الأشعري الذي يقولون: إنهم على معتقده، ولكن فسروا الرؤية بالمكاشفات القلبية، أو بالرؤية القلبية، أو برؤية أنواره، أو ما أشبه ذلك، فلم يثبتوا رؤية حقيقية؛ وذلك لأنها ترد على مذهبهم في نفي صفة العلو، وقد تكاثرت الأدلة على إثبات الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم، وهي معروفة مشهورة، وقد تقدم بعضها.
وبكل حال: فالأدلة التي سمعنا وغيرها كثيرة، وهي دالة على أن الله تعالى موصوف بأنه فوق عباده، وبأنه هو العلي الأعلى، ومتى اعتقد المسلم هذا الاعتقاد -الذي هو علو الله تعالى وفوقيته- فإنه يستحضر دائماً أنه فوق عباده، وأنه مع ذلك يسمعهم ويراهم ويطلع عليهم، ويعلم مناجاتهم وأحوالهم؛ فبذلك يعرف كيف يطيعه، ويعرف أنه أهل التقوى وأهل المغفرة.