للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة انفراد الله تعالى بالرزق وتيسير أسبابه]

أما قوله: (رازق) فمعلوم أنه الذي تفرد بالرزق وحده، وقد يقول قائل: بل العبد هو الذي يتكسب، والدواب هي التي تسعى في طلب الرزق، فإذاً كيف يكون ذلك رزقاً، ونحن نشاهد أن الإنسان هو الذي يكتسب الرزق؟! يقول هذا كثير من الناس، وأكثر من يقوله هم الملاحدة، حتى نقل لي بعض الإخوان عن بعض الملاحدة والعياذ بالله أنه لما قيل له: تذكر أن الله الذي يرزقك، فقال: كلا إنما ترزقني يميني والعياذ بالله، نسي أن الله حنن عليه أبويه في طفولته، نسي أن الله يسر له الرزق وهو في رحم أمه، حتى يأتيه الرزق من حيث لا يشعر.

فالإنسان في بطن أمه يكون له باب واحد يأتيه الرزق منه، وهو حبل السرة الذي يتغذى من الدم، فمن الذي يسر ذلك له؟ هل للأبوين تصرف في هذا الجنين حتى يتم خلقه؟ ليس لهما تصرف، إذاً فالذي دبره على هذه الهيئة هو الذي يرزق.

فلما خرج إلى هذه الدنيا من الذي فجر له هذين الثديين من صدر والدته، بهذا اللبن اللذيذ الذي يحصل به التغذي؟! من الذي ألهم هذا الطفل أن يمتص الثديين حتى يحصل على هذا اللبن الذي يتقوت به؟! عندما أخرجه الله إلى الدنيا فتح له بابين -وهما هذان الثديان- ليكون منهما رزقه وغذاؤه، لا يستطيع أن يحصل لنفسه هذا الرزق إلا أن ييسره الله له، من الذي حنن قلب أبويه عليه وجعل في قلوبهما الشفقة التامة إلى أن يحنوا عليه ويحدبا عليه ويحبا بقاءه ويسهرا ويتعبا في تحصيل راحته؟! لولا أن الله جعل ذلك في قلوبهما لما التفتا إليه ولما بقي على هذه الحياة مدة.

بعدما فطم وترعرع من ذينيك الثديين، فتح الله له أربعة أبواب من الرزق: شرابان، وطعامان، فالشرابان: اللبن مأخوذ من الحيوان، والأشربة من الماء، والطعامان: اللحم طعام من الحيوانات التي سخرها الله للإنسان ليأكل من لحومها، وسائر الأطعمة مما تنبته الأرض، والله تعالى هو الذي يسر له ذلك.

أولاً: باب واحد في بطن أمه.

ثانياً: بابان بعدما خرج إلى الدنيا وكان رضيعاً.

ثالثاً: أربعة أبواب بعدما فطم وأحس بالحاجة: طعامان، وشرابان.

من الذي يسر أسباب الرزق؟ من الذي أنبت هذا النبات حتى أثمر وحتى أينع وأصبح صالحاً للقوت لو شاء الله تعالى لجعل الأرض حجراً لا تنبت، ولو شاء لجعل الأرض كلها ماءً لم يحصل بها هذا النبات ولا هذا الاستقرار، ولو شاء لجعل هذه الأرض سبخة لا ينبت فيها أي نبات أصلاً، بل لو أن الله جعل الأرض كلها ذهباً أو كلها فضة، هل يحصل الانتفاع بها وتنبت ويأكل الناس ودوابهم ويتقوتون بها؟ لا، ما تنفعهم.

الله جعل الأرض رخوة صالحة للإنبات، فتبين بذلك أنه سبحانه هو الذي رزقنا، ولهذا يمتن علينا بأنه هو الذي رزقنا، ولسنا نحن الذي نرزق أنفسنا، ثم إذا كان الإنسان قد أعطي قوة حتى يتكسب ويجمع المال من هنا ومن هنا، فمن الذي أعطاه هذا العقل والفكر حتى يتسبب؟ ومن الذي أعطاه هذه الأدوات وهذه الآلات حتى يسير على قدميه وحتى يبطش بيديه وحتى يكتسب بهما؟ أليس هو الذي خلقه؟! إذاً فالله تعالى هو الخالق وهو الرازق، وإذا كان هو الخالق والرازق فهو الذي يستحق أن يعبد.