[إطلاق الإسلام على ما يشمل الإيمان]
مسألة مسمى الإيمان والإسلام، وما يتفرع عن هذه الأسماء، بحث العلماء وأفاضوا في هذا البحث، ومن خلال بحثهم يتبين حثهم على أن يكون المسلم المؤمن عاملاً بمقتضى هذا الاسم، فإنه إذا تسمى بأنه مسلم لم يكفِ مجرد التسمي حتى يظهر عليه أثر هذا الاسم، فلم يكتف بمجرد الانتساب حتى يظهر عليه أثر هذا الاسم، فلأجل ذلك جعلوا الاسم يشمل ما في القلب، ويشمل ما على اللسان، ويشمل ما على الأركان؛ ليصدق بذلك مسمى الإيمان؛ وذلك لأنه لو كان الإيمان هو مجرد ما يكون في القلب لما كان هناك فرق بين الناس، بل كل يقول: أنا مؤمن، ثم بعد ذلك يعمل ما يشاء! فإذا عرفنا أن الإيمان له آثار، وله مكملات؛ عرفنا بذلك من هو صادق ومن هو كاذب، فحقائق الأشياء تظهر بعلامات، فحقيقة الإيمان علامته العمل، كما أن حقيقة الإسلام علامته العمل، فمن ادعى أنه مؤمن فلابد أن يعمل، فإن العمل من تمام الإيمان، كما أن من ادعى أنه يحب الله فلابد أن يطيعه، لابد أن تظهر عليه آثار هذه المحبة، أما أنه يحب الله ولكنه لا يطيعه؛ بل يعصيه، فليس بصادق، كما روي عن بعض السلف أنه قال: من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة.
والموافقة: هي الطاعة، أي: تمام الطواعية بالأعمال الصالحة، هذه هي حقيقة الموافقة، أي: موافقة ما أمر الله، وذلك لأن المحب لابد أن يتأثر بمحبوبه، ولابد أن يظهر عليه آثار هذا الحب.
ولأجل ذلك ورد في الأحاديث الحث على محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان أثرهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) ، وهذه الثلاث كلها متلازمة، وكلها من آثار محبة الله، فإن من أحب الله وأحب رسوله، وقدم محبتهما على غيرهما؛ أطاع الله ورسوله.
كذلك من آثار محبة الله ومحبة رسوله: أن يحب أولياء الله، من كانوا وأينما كانوا، ولو كانوا أباعد أجانب.
كذلك من آثار محبة الله: أن يبغض معاصي الله، وأن يبغض العصاة الذين يبغضهم الله.
كذلك من آثار محبة الله: أن يكره الكفر الذي يبعده عن ربه، وأن يؤثر الإيمان والطاعة التي تقربه إلى ربه.
فهذا مثال في أن العمل تابع للإيمان، وأثر من آثاره، ولازم من لوازمه، وكذلك لازم من لوازم الإسلام، ولأجل ذلك روي عن الحسن رحمه الله أنه قال: (ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكنه ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال) ، فجعل الأعمال أثراً من آثار الإيمان الذي يكون في القلب.
وبكل حال: من ظهرت عليه الأعمال الصالحة فهو المؤمن، ومن ادعى أنه مؤمن ولم تظهر عليه آثار الأعمال الصالحة فليس بمؤمن، ولو كان باطنه حسناً، فإننا لا نعمل إلا بالظاهر، أما الذي في الباطن والذي في القلب فلا يحاسب عليه إلا الرب، أما نحن فلنا أن نعتبر الإنسان بما يظهر لنا، فمن أظهر لنا خيراً وعمل بر شهدنا له بالإيمان، وشهدنا له بالصلاح.
ومن أظهر لنا فسوقاً وعصياناً ومخالفات وسيئات أبغضناه، وشهدنا له بالفسوق وبالمعصية، ومقتناه ولو كان باطنه حسناً؛ لأن الله تعالى هو الذي يحاسب على ما في القلب، فهو علام الغيوب، هكذا يجب علينا.
وبكل حال: قد عرفنا أن الأعمال من مسمى الإيمان، وأنه لا يتم الإيمان إلا بالأعمال، وأن الإنسان عليه أن يحقق إيمانه بأعماله التي يعملها، سواء كانت أقوالاً يتلفظ بها كالأذكار والأدعية والتلاوة ونحوها، أو أعمالاً يعملها بيديه أياً كانت؛ كجهاد في سبيل الله، ونفقة في وجوه الخير وما أشبه ذلك، أو أعمالاً قلبية، كحب من يحبه الله، وبغض أعداء الله وما أشبه ذلك، أو بجميع جوارحه، فإذا كان كذلك سمينا هذه الأعمال كلها من الإيمان، وسمينا أصحابها مؤمنين، سواء كانوا مؤمنين كاملي الإيمان أو لا، وبذلك يعرف أن الإيمان يتفاوت أهله فيه بحسب الأعمال.