للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غاية خلق الخلق وإيجادهم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: (وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته) .

ذكر الشيخ رحمه الله الأمر والنهي بعد ذكره الخلق والقدر، إشارة إلى أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ، وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢]] .

أي: كما أن الله علم الأشياء قبل وجودها وقدرها وحددها وأرادها وشاءها فذلك لا ينافي الأمر والنهي، فهو الذي كلف العباد، ولا شك أنه ما كلفهم إلا وهم يقدرون، فلا يكلف من لا يقدر، دلت على ذلك الآيات: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧] ، فالله تعالى أمرهم بأشياء أن يفعلوها ونهاهم عن فعل أشياء، ووعدهم على فعل المأمور وترك المنهي والمزجور بالسواء، وأنه توعدهم على المخالفة بالعقاب، ولا شك أنه ما أمرهم إلا وهم يستطيعون ويقدرون على مزاولة هذه الأشياء، وإلا فالعاجز لا يمكن أن يؤمر.

وعلى قول الجبرية: يعتبر أمرهم أمر تعجيز، مثل الأوامر التي يخاطب بها أهل النار أو الكفار، كقوله: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:١١٩] هذا أمر تعجيز، وكقوله: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:١٦] .

والصحيح أن أوامر الله تعالى في قوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:٧٧] ، وبقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:٥٦] أمر لمن يقدر على الامتثال، أما من لا يقدر فلا يمكن أن يؤمر، خلافاً للجبرية فإنهم يعتقدون أنه يجوز الأمر بشيء غير مقدور عليه وغير ممكن، بمنزلة من أمر الأعمى أن ينقط المصاحف أو يكتبها، ومعلوم أنه لا يبصر، فكذلك الأمر عندهم، حيث سلبوا الإنسان قدرته واختياره وجعلوا حركته غير اختيارية، ومثلوه بحركة الشجرة التي تحركها الرياح بدون اختيار، فلو كان الإنسان غير مستطيع لما كلفه الله؛ فإن الله لا يكلف إلا من هو قادر على ذلك، ولعله يأتي لهذا تكملة في الرد على الجبرية ونحوهم.