كذلك أيضاً من الأحاديث حديث أبي موسى وهو حديث صحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلَّا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ، وقد ذكر الله الجنتين الأوليين في قوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن:٤٦] ، وذكر الجنتين الأخريين بقوله:{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن:٦٢] ، وزاد في هذا الحديث أنه ليس بينهم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء، وذلك دليل على أنه تعالى يكشف ذلك الرداء وذلك الحجاب ويتجلى لعباده متى شاء، فليس بينهم وبين النظر إليه إلا ذلك الرداء، وهذا دليل على أنه إذا شاء تجلى كما يشاء.
كذلك أيضاً تقدم حديث صهيب الذي في صحيح مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الزيادة:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦] أنها النظر إلى ربهم، وأنهم ما أُعطوا شيئاً ألذ عندهم من النظر إلى ربهم عندما يقول: سلوني.
فيقولون: نسألك رضاك ثم يسألونه أن يتجلى فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أفضل عندهم من النظر إلى ربهم، وهي الزيادة، أي: المذكورة في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦] .
وإذا عرفنا أن هذه الأحاديث وأمثالها صحيحة قد نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاها أهل السنة بالقبول فليس لأولئك المعتزلة أن يردوها، ولكن اعتمدوا في ردهم على أنها أخبار آحادية، وكذبوا، فليست أخبار آحاد ما دام أنه تلقاها جمع غفير عن مثلهم، رواها جمع غفير من الصحابة ثم مثلهم من التابعين أو أضعافهم، وهكذا إلى أن دُوِّنت، فكيف تكون أخبار آحاد؟! ثم لو قدر أنها أخبار آحاد فإنها تفيد العلم ويُستدل بها على العقائد، وذلك لأنهم يعملون بها في الشرائع، فكذلك يلزمهم أن يعملوا بها في العقائد.