هذا توضيح لما حكاه عن المعتزلة الذين يقولون: إن الظلم الذي نزه الله نفسه عنه هو الشيء الذي لا يمكن ولا يقدر عليه؛ وذلك لأن من معتقد هؤلاء المتكلمين من المعتزلة: أن العبد هو الذي يهدي نفسه، أو يضل نفسه، وأن الله لا يقدر على أن يهدي هذا أو يضل هذا، فيجعلون الله تعالى عاجزاً، وكذلك يوجبون على الله أن يثيبت المطيع، فيجعلونه حقاً عليه، وتعالى الله عن قولهم، فإنه تعالى ليس عليه حق لعباده: ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع فهم يجوبون على الله أن يثيب هذا، ويحرمون عليه أن يعاقب هذا، ويجعلون هذا مستحقاً بعمله، وهذا مستحقاً بعمله، ولا يجعلون لله تصرفاً، ولا يجعلون له منة، ولا يجعلون له فضلاً على عباده ورحمة.
لا شك أن هذا تصرف في أفعال الخالق سبحانه، فلأجل ذلك رد عليهم الشارح، وبين أن الظلم الذي نفاه الله تعالى عن نفسه ليس بممتنع ولا بمستحيل، بل هو مقدور، ولكن الله تعالى لا يفعله؛ لكونه غير مستحسن، بل هو أمر مستهجن ومستقبح، فلأجل ذلك نزه الله نفسه في هذه الآيات، فقال تعالى:{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩] ، هذا دليل على أنه قادر على أن يظلم، ولكنه منزه عن ذلك، وكذلك قوله:{فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا}[طه:١١٢] ، (لا يخاف ظلماً) أي: بأن يُحمّل سيئات لم يعملها، (ولا هضماً) أي: نقصاً لحسنات قد عملها، بل الله تعالى حكم عدل، فلا يمكن أن يظلم هذا فينقصه، أو يظلمه فيزيد في سيئاته، بل له الفضل عليه، فيضاعف له الحسنات، ويمحو عنه السيئات، ومن أوبقته سيئاته فهو الموبق، ولا يهلك على الله إلا هالك.