للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرتبة الأمر والإلزام]

قال رحمه الله: [وأما مرتبة الأمر بذلك والإلزام به، وأن مجرد الشهادة لا يستلزمه، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه وتتضمنه؛ فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به وقضى وأمر وألزم عباده به، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] ، وقال الله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل:٥١] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] ، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة:٣١] ، وقال تعالى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الإسراء:٢٢] ، وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [القصص:٨٨] ، والقرآن كله شاهد بذلك] .

ذكر المرتبة الرابعة، وهي مرتبة الأمر والإلزام، بعد أن ذكر مرتبة العلم، ثم مرتبة التكلم، ثم مرتبة الإخبار، ثم مرتبة الإلزام.

فهذه المرتبة الرابعة التي هي مرتبة الأمر والإلزام بالمأمور به، وهو التوحيد، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٨-١٩] هذه الشهادة قد لا يكون فيها أمر صريح فهو لم يقل: اشهدوا بما شهدت به، ولا قال: ألزمتكم أيها الناس بأن تشهدوا بما شهدت به، ولكن العاقل يتفكر إذا قرأ أو قيل له: إن الله قد شهد لنفسه بالوحدانية، وملائكته شهدوا له بذلك، والعلماء من خلقه شهدوا له بذلك، فيفكر ويقول: كيف لا أكون مع العلماء؟! إذا لم أكن مع العلماء كنت مع الجهال، ولا أرضى أن أكون بين الجاهلين، فعند ذلك يشهد بما شهدوا به، فكأن ذلك أمر، وكأنه يقول: شهدت بذلك أنا وملائكتي والعلماء من خلقي فافعلوا ذلك واشهدوا به يا جميع الخلق.

هذا قد يؤخذ من هذه الشهادة، ولكن هناك أدلة صرحت بأمر الناس كلهم بهذه الشهادة، وبهذا التوحيد، مثل الآيات التي تقدمت، فالله تعالى يقول: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠] هذا أمر وإلزام، وكذلك في آيات كثيرة كقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:٣٦] ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] ، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} [البقرة:٨٣] ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} [التوبة:٣١] ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] فالأمر يقتضي الإلزام.

إذا أمرنا الله بهذا فقد ألزمنا به، فيجب امتثاله، فإن أمر الله هو الحق، وضده هو الباطل، فمن لم يمتثل هذا المأمور فإنه خاسر.