أدلة الفوقية نوع من أنواع الأدلة على صفة العلو، وقد أوصلها بعضهم إلى واحد وعشرين نوعاً، وقد ذكر ذلك ابن القيم في نونيته، وابتدأها بالآيات التي تدل على الاستواء.
وكل نوع تحته مفردات.
ولما كانت مسألة العلو من المسائل الاعتقادية بالغ أئمة السلف في إثباتها، وكتبوا فيها الأدلة التي توضح قول السلف، وقول من سار على طريق السلف، فنجد في كتب المتقدمين من السلف أنهم أوفوها حقها، ككتاب التوحيد لـ ابن خزيمة الذي هو شجىً في حلوق الأشاعرة والمعتزلة ونحوهم، حتى قرأت لبعضهم أنه يسميه: كتاب الشرك، مع أنه استدل بآيات وأحاديث صحيحة رواها بالأسانيد، ولكن لما خالف معتقدهم أساءوا به وصاروا يحذرون منه.
كذلك كتب السنة التي كتبها أئمة السلف كالإبانة، وكتاب التوحيد، وكتاب الإيمان، وكتاب السنة وغيرها من كتب السلف، فمنهم من رد على الجهمية، وسمى كل من خالف ذلك جهمياً، ومن السلف الذين كتبوا في ذلك ابن مندة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبي عاصم، وكذلك القاضي أبو يعلى، والإمام الذهبي له كتاب العلو للعلي الغفار، وصفه بهذا الوصف، وكأنه لما رأى كثرة الذين دانوا بعقائد باطلة ممن سموا أنفسهم أشاعرة، أراد أن يفصح بما يعتقده ولو خالف مشايخه، ولو خالف زملاءه، ولو خالف المنتمين إلى مذهبه، لا يبالي بذلك ما دام أنه يعتمد الدليل، ويقول الحق.
مسألة العلو لم ينكرها في المائة المتأخرة إلا أفراد قلة كالأشاعرة والمعتزلة والشيعة والخوارج والجبرية ونحوهم، كلهم ينكرون هذه الصفة، ولا عبرة بإنكار من أنكرها مادامت الأدلة واضحة صريحة في إثباتها، فلا يعتبر بمن أنكر الحق مع وضوحه.
وأهل السنة يثبتونها على ما يليق بالله تعالى، ويذكرون الأدلة ويعتمدونها، ثم يجمعون بينها وبين آيات القرب وأدلة المعية ونحو ذلك، ولا يفهمون منها تجسيماً ولا تشبيهاً، ولا جهة ولا حصراً، ولا تحيزاً ولا غير ذلك، أما أولئك المنكرون فيقولون: إن هذه الكلمات تدل على حصر الخالق، وأنه متحيز، إلى غير ذلك، ولا عبرة بتلك الأقوال التي يموهون بها، وعلى المسلم أن يعتقد الحق ولو خالفه من خالفه.